Site icon IMLebanon

لبنان يخشى حصاراً غربياً وعربياً بعد طغيان نفوذ “حزب الله”

 

كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:

هل يكون سقوط آخر «الدفاعات» السياسية أمام اندفاعة مشروع «حزب الله» في لبنان والذي عبّر عن نفسه إبان معركة جرود عرسال الأخيرة وما أعقبها من صفقة تبادُل بين الحزب و«جبهة النصرة» مدخلاً لترجمة الاعتقاد العربي والدولي بأن «بلاد الأرز» صارتْ في دائرة النفوذ الإيراني الكامل عبر تضييق الخناق على بيروت؟ وهل يمكن العملية العسكرية التي يعدّ لها الجيش اللبناني ضدّ تنظيم «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع ان «تصحّح» صورة الدولة التي بدتْ أخيراً «في خدمةِ» أجندة «حزب الله» الذي فَتَح مواجهةً في أرضٍ لبنانية بهدف قفل آخر الثغر بطريق إحكام السيطرة على كل الحدود اللبنانية مع «سورية المفيدة» والذي جُنّدت له أجهزة رسمية لإطلاق معتقلين له وقعوا في الأسر إبان معاركه بسورية؟

سؤالان شغلا بيروت امس على وقع ما عكَسَه طيّ صفحة وجود «النصرة» في جرود عرسال وامتدادها السوري في القلمون الغربي كما المظاهر الاحتفالية باستعادة «حزب الله» أسْراه الخمسة من «النصرة» (بعد دخول أميرها في الجرود ابو مالك التلي ومن بقي من مسلّحيه وآلاف النازحين الى إدلب) من ان غالبية القوى اللبنانية المناهضة للحزب فقدتْ القدرة على إحداث أي مستوى من التوازُن في الواقع الداخلي في ظلّ تثبيت المحور الاقليمي الذي يشكّل الحزب «رأس حربته» موْقعَ نفوذٍ في سورية وعدم تبلور ملامح أيّ «مظلّة» خارجية بعد يمكنها ان تعيد اللعبة السياسية الى وضعية الحدّ الأدنى من التكافؤ في موازين القوى.

واذا كان «تَمدُّد» الرايات الصفر ومستلزماتها الى بلدة القاع المسيحية التي اختارها «حزب الله» لتكون أول منصة احتفال لأسراه المستعادين شكّل أحد أبرز المظاهر لـ «الفوز بالنقاط» الذي يراكمه «حزب الله» في الفترة الأخيرة سواء بإطفاء خصومه الرئيسيين من باب «الواقعية» محرّكات الاعتراض الصريح ولو المبدئي على أدواره العسكرية في لبنان وخارجه او بنجاحه في اختراق البيئة المسيحية خصوصاً وإعلامها بالدرجة الأولى، فإن أوساطاً سياسية ترى ان حصول «احتفالية القاع» (البلدة التي لحزب «القوات اللبنانية» نفوذ كبير فيها ولم تلملم بعد جرح مجزرة 1978 التي سقط فيها 15 شاباً من حزب «الكتائب» على يد الجيش السوري) بالشكل الذي تمّت فيه وما تخلله من مواقف لمسؤول وحدة الارتباط والتنسيق (في حزب الله) وفيق صفا الذي وجّه الشكر للرئيس السوري بشار الأسد يعكس عملياً الواقع المأزوم للقوى السياسية التي لا تتفّق مع خيارات الحزب والتي تجد نفسها عالقة بين انعدام التوازن لأيّ مواجهة وبين استثمار «حزب الله» هذا الواقع لتسهيل إكمال وضع اليد على الداخل اللبناني.

والأكثر دلالة على هذا الواقع كان إدارة مجلس الوزراء في جلسته أوّل من أمس الظهر لـ «عملية الجرود» وما رافقها واكتفائه بمناقشة بنود ذات علاقة بالتعيينات والوضع الاقتصادي والمالي (ما خلا قضية مذكرة الكويت حول خلية العبدلي)، في إشارةٍ إضافية لتسليم السلطة السياسية بأن الإمرة في القضايا الاستراتيجية خارج يدها وبعدم القدرة على إحداث اي تأثير في مسار «الأفعال الخلافية» لـ «حزب الله» وهو ما يجعلها «تختبئ» وراء شعار «تحييد الملفات الخلافية» حفظاً للاستقرار السياسي.

وفي ظلّ هذه الخلاصات، كان بالغ التعبير ما حذّر منه وزير الداخلية نهاد المشنوق في إطلالة تلفزيونية ليل الخميس (عبر شاشة LBCI) من «اننا مقبلون على تغييرات كبيرة في المنطقة، وقد نكون أمام حصار سياسي عربي وغربي كبير على لبنان بسبب(حزب الله)وهناك جو عربي لا يريد هذا الوضع القائم لا سيما دور حزب الله»، متخوفاً من أن يكون لبنان قبل مرور سنة على طاولة مجلس الأمن الدولي. واذ اعتبر ان «الطريقة الوحيدة لحسم مسألة السلاح هي الاستراتيجية الدفاعية»، اعلن «لا يمكنني المباركة لانتصار»حزب الله«في عرسال بل أُبارك لأهالي الأسرى المحرّرين ولستُ مقتنعاً بالنصر الذي حصَل في عرسال ولفتَني شكر الأسد وايران من بين المواقف التي صَدرت».

وتَرافق كلام المشنوق مع إعلان محطة «O.T.V» (التابعة للتيار الوطني الحر) ان «إشارات خارجية وصلت إلى بيروت توحي بأن شيئاً ما يتحضر لمرحلة ما بعد الانتصار في الجرود، وذلك عبر سلسلة قرارات وعقوبات تستهدف فئة لبنانية، ومحاولة استدراج لبنان إلى مستويات أو ربْط نزاع أو فك اشتباك عبر صنارة القرار 1701».

وفي موازاة ذلك، تتساءل الأوساط السياسية نفسها اذا كان تولي الجيش اللبناني مهمة دحْر «داعش» من جرود رأس بعلبك والقاع من شأنه احتواء الأضرار الداخلية والخارجية لانتزاع «حزب الله» مهمات جديدة من الدولة (التحرير من العدوّ التكفيري بعد التحرير من العدو الاسرائيلي)، رغم خشية بعض الدوائر من مسار هذه المعركة مع تنظيمٍ غالباً ما تُطرح علامات استفهام حول «ارتباطاته» والأكلاف المعنوية والسياسية لأيّ تنسيقٍ ولو اضطراري مع الجيش السوري او خصوصاً «حزب الله» (وهو ما تتحفّظ عنه بوضوح دول داعمِة عسكرياً للجيش) او لأيّ مسارات سلبية مفاجئة بملف العسكريين التسعة الذين ما زالوا في قبضة «داعش» (منذ 2 اغسطس 2014).

وفي حين يؤشر «الضغط بالنار» الذي يمارسه الجيش على مواقع «داعش» لاقتراب بدء المعركة التي لا يُستبعد ان ينسحب منها التنظيم بالتفاوض، كان لافتاً إثارة مسألة إمكان ان يحظى الجيش بتغطية جوّية من التحالف الدولي (الذي هو جزء منه)، وسط تقارير استبعدت أيّ احتمالٍ من هذا النوع في ظل رفض «حزب الله» له، مقابل تقارير أخرى تحدثتْ عن اتصالات اميركية ـ روسية كي تضغط موسكو على حلفائها في سورية وايران ليقبلَ «حزب الله» بمثل هذه التغطية.

كما برز في السياق نفسه، إثارة قناة «الحرة» مسألة وجود 70 عنصراً من القوات الخاصة الأميركية في لبنان لمساعدة الجيش في عملياته ضد «داعش»، وهو ما أوضحه مصدر عسكري لبناني كاشفاً أن العدد المفترض موجود منذ فترة طويلة وهو يقوم بمهمات تدريبية وتقييم تدريب ومراقبة جودة العتاد المسلَّم الى الجيش.