كتبت رولا حداد
لا داعي للمكابرة بعد اليوم. فلنعترف أن “حزب الله” هو الحاكم الفعلي في لبنان، والناظم للحياة السياسية بكل مفاصلها، تماماً كما كان الاحتلال السوري يحكم لبنان بين العامي 1991 و2005.
“حزب الله” يقرّر من سيكون رئيساً للجمهورية، ولا رئيس غيره إلا الفراغ. والحزب يحدد مسبقاً رئيس مجلس النواب وحتى قبل إجراء الانتخابات النيابية. ولا يمكن أن تتم تسمية رئيس للحكومة ما لم يعلن السيد حسن نصرالله عدم ممانعته، وقبل أن يكون رئيس الحكومة العتيد قدّم كل فروض التنازلات المطلوبة.
الحزب يقرر الحرب والسلم ومتى تُخاض المعارك. لا تمرّ تعيينات أو قرارات من دون رضى الحزب وبركته، وعلى الأقل في الملفات الأساسية التي تعنيه. ثمة ملفات أقل أهمية يتركها للعبة داخلية محصورة في المكان والزمان شرط ألا تشوّه على الأنظمة العامة التي يضعها الحزب.
هذا هو الواقع باختصار، وبواقعية بعيدة عن المزايدات والعنتريات الفارغة. الحقيقة أن الحزب المتهم بالاغتيالات والتفجيرات يحكم البلد ويتهم الآخرين بالإرهاب. وهذا الحزب يجنّد حتى وسائل الإعلام اللبنانية للترويج لنظرياته ومقارباته، ولم يعد ينقص غير نشر أعلام الحزب في كل المناطق وجعل النشيد الوطني اللبناني “لبيّك يا نصرالله”!
في المقابل، وإزاء الانهيار الكامل للدولة والمؤسسات، وللاقتصاد الوطني والوضع المالي والاجتماعي والانساني على مختلف المستويات، وإزاء انعدام الخدمات الأساسية التي يُفترض بالدولة أن تقدمها، من كهربا وماء واتصالات وإنترنت ومواصلات وشبكة طرقات وخدمات استشفائية وبيئة نظيفة ومعالجة النفايات، والفشل في إقامة سلطة قضائية مستقلة ومحاربة الفساد الذي بلغ أرقاماً قياسية وغير ذلك، ينبري اللبنانيون لشتم الحكومة- المسخ التي يتمثل فيها “حزب الله” بوزارتين هامشيتين.
نعم يشتم اللبنانيون كل الأطراف اللبنانية تقريبا بسبب كل الفشل الذي ذكرناه، باستثناء “حزب الله”. ويشتمون مجلس النواب الذي بات هيكلاً صورياً لأنه لا يُحاسب الحكومة المقصرة، في حين أن “حزب الله” يعطّل كل النظام البرلماني الديمقراطي ومبدأ أن تحكم أكثرية وتعارض أقلية الذي يتيح المحاسبة.
“حزب الله” يتحكّم بكل شيء، ويغطي على الفساد والفاسدين لدى مختلف الأطراف السياسية في إطار لعبة توزيع الحصص ليبقيهم تحت سيطرته، لا بل إن جزءًا كبيرا من الفساد يحصل في بيئته وبتغطية مباشرة منه، من التهرّب الجمركي في المرفأ والمطار والمناطق الحدودية تحت شعار “المقاومة”، إلى كل ما انكشف من تصنيع للكابتاغون والتجارة بالأدوية المزورة والأطعمة الفاسدة لأقرباء مسؤولين في الحزب، ناهيك عن أساليب فرض الخوات المعتمدة في مناطق سيطرته، فضلا عن احتضان بيئته في الضاحية الجنوبية والبقاع الشمالي لأكبر عصابات الاتجار بالمخدرات وسرقة السيارات والخطف مقابل فدية!
إزاء كل ما تقدّم، ندعو وبالصوت العالي إلى أن يحكم “حزب الله” البلد من دون مواربة، وليتحمّل كل المسؤوليات الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية، إضافة إلى المسؤوليات الدستورية والسياسية والأمنية التي يسيطر عليها بوهج سلاحه!
نعم أتركوا الحكم لـ”حزب الله” وحده وليتحمل تبعات ما تجنيه يداه على لبنان، والعقوبات الآتية من ثمارها. استقيلوا من المؤسسات واتركوا “حزب الله” وحيداً ليجني نقمة الشعب، وتوقفوا عن تحمّل المسؤولية تجاه المواطنين في حين أنكم عاجزون عن فعل أي شيء باستثناء الصفقات والسمسرات والسكوت عما يجري تحت شعار الحفاظ على الاستقرار، في حين أننا نشهد على تحلّل معالم الدولة اللبنانية ومؤسساتها تحت قبضة “حزب الله”، الحزب الذي يصوّر نفسه على أنه “بطل”، وأنتم تكتفون بحصد الفشل، لا بل تؤمنون له بمشاركتكم في الحكم التغطية التي يريدها لتحقيق أهدافه.
أقدموا على خطوة شجاعة لمرة وحيدة، واستقيلوا جميعاً، وليحكم “حزب الله” ويتحمّل نتيجة ما تقترفه يداه!