ذكرت صحيفة “الأخبار” أنه قبل انطلاقة معركة المقاومة في جرود عرسال، انطلقت التحضيرات العملانية لمعركة بقية الجرود. وإذا كان قرار تكليف الجيش بالقسم الثاني من المهمة حُسم نهائياً في اليوم الثاني من معركة المقاومة، فإن أشياء كثيرة دخلت من ساعتها في سياق الاستعدادات الأمنية والعسكرية والسياسية.
لم يكن فصل معركة جرود عرسال عن بقية الجرود أمراً تكتيكياً فقط، بل كان حاجة عسكرية من جهة، ومناسبة لاختبار آليات جديدة من التنسيق بين القوى المنتشرة على جانبي الحدود اللبنانية ــ السورية. ومثلما كان خط التواصل مع جبهة النصرة مفتوحاً بقوة، كان هناك خط آخر، أقل سخونة، قد فتح مع وسطاء على صلة بتنظيم «داعش» المنتشر في الجزء الآخر من الجرود. ورغم الفوارق بين الطرفين الإرهابيين، على مستوى اتخاذ القرار والهدف وآليات العمل، إلا أن مبدأ التفاوض هو ذاته: عرض بالخروج الآمن من المنطقة مقابل عدم خوض المعركة.
وفي معلومات تبقى شحيحة عن التفاوض غير المباشر مع «داعش»، أبدى عناصر من التنظيم من الجنسية السورية تجاوباً أوّلياً، لكنّ هؤلاء كانوا يؤكدون أن القرار النهائي سيصدر عن قيادة التنظيم في الرقة، ومن دون إقفال الأبواب. ورغم تعنّت «جبهة النصرة» الذي عجّل في المعركة العسكرية، إلا أن «داعش» تصرّف بحذر كبير، علماً بأن قيادته كانت تعرف أن دخول التفاوض الفعلي يحتاج الى قرار من «داعش» بكشف مصير الأسرى من جنود الجيش اللبناني، وهو ما لم يحصل. وظلت المعلومات حول مصير هؤلاء خاضعة لتدقيق أمني دائم.
وبمعزل عن تفاصيل لا يبدو أن هناك مصلحة في الحديث عنها الآن، إلا أن داعش بادر الى إبداء ليونة من خلال عدم مشاركته في المعركة الى جانب النصرة، مقابل عدم شنّ هجوم مباغت ضده. وعملياً، كل ما فعله التنظيم خلال المعركة هو إعادة نشر قواته في الجرود، والإبقاء على ممر ضيق يتيح لمن يرغب من عناصر «النصرة» النفاذ الى مناطق داعش، شرط إعلان مبايعة علنية لإمارة أبي بكر البغدادي، وهو أمر لم يحصل إلا على نطاق ضيّق، ولم يكن له مفعوله الكبير، سيما أن عناصر النصرة الذين ظلوا على سلاحهم مع بدء المعركة (عددهم يصل الى 350 مسلحاً) كانوا قد حسموا التزامهم بما تقرره قيادة «النصرة»، وسمعوا رسائل واضحة بهذا الشأن، ليس من أبو مالك التلي وحده، بل من أبو محمد الجولاني الذي كان يتابع المعركة من منطقة إدلب.
وفي خطوة هي الأولى من نوعها، أبدت الحكومة السورية موافقة مبدئية على تسهيل تنفيذ أي اتفاق فيه ضمانة بنقل عناصر داعش الى منطقة الرقة، علماً بأن اتفاقاً من هذا القبيل كان شديد التعقيد ربطاً بالمعارك الجارية في البادية وشقّ الجيش السوري وقوات المقاومة الطريق نحو دير الزور.
على أي حال، فإن المعلومات تشير الى وجود ما يقارب 750 مسلحاً مع داعش في المنطقة الواقعة بين لبنان وسوريا، وأن هؤلاء لا يتمتعون بتسليح استثنائي، لكن ما يميّزهم عن مسلحي النصرة هو قرار تنفيذ عمليات انتحارية، والسعي الى حرب استنزاف من خلال الاتّكال على القناصة والعبوات والكمائن.