كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: … فجأةً انتقل لبنان من مجرّد «حديقة خلفية» للصراع في سورية، يَحْرسها تفاهمٌ إقليمي – دولي على تحييد «الخيْمة» التي تأوي نحو مليون ونصف مليون نازح سوري، إلى «الطاولة» التي تضجّ بعناوين عسكرية وسياسية قفزتْ إلى الصدارة دفعة واحدة، وكأن «الوطن الهش» يلتحق بساحات الصراع في المنطقة في لحظةِ المقايضات الكبرى، وخصوصاً تلك التي تطلّ من سورية وعنوانها مناطق خفض التوتر الأشبه بـ«مستعمراتِ» تَقاسُم النفوذ الدولي والإقليمي.
فمن قرار التخلّص من جيوب الجماعات المتشدّدة على الحدود الشرقية مع سورية، إلى محاولة تعديل قواعد عمل قوة «اليونيفيل» على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، مروراً بتحريكٍ مبرْمج لملف النازحين السوريين والدفْع المَمَنْهج في اتجاه تطبيع العلاقة مع النظام السوري… تطوراتٌ «ما فوق عادية» دهمتْ المشهد اللبناني العائد إلى قلب التجاذب الاقليمي – الدولي بعدما حلّ طويلاً في المقاعد الخلفية في عزّ الحرائق المشتعلة من حوله، وخصوصاً على مرمى العين في سورية.
وبدا أنه من لحظة سريان مفعول التفاهم الروسي – الاميركي على ترسيم مناطق النفوذ في سورية، اشتدّ السباق على لبنان بين إيران والمجتمع الدولي، وهو ما يفسّر مسارعة «حزب الله» الى إنهاء «مساكنةٍ» استمرّت ثلاثة أعوام مع «النصرة» و«داعش» في الجرود الشرقية المتاخمة لسورية والى المطالبة بإعادة النازحين عبر حوارٍ مع النظام في دمشق، في الوقت الذي تمضي الولايات المتحدة في حربها الناعمة على «حزب الله» من بوابةِ العقوبات وتسعى الأمم المتحدة الى تطبيقٍ أكثر صرامة للقرار 1701 وربما الى توسيع نطاقه ليشمل الحدود مع سورية.
هذا المناخ تعكسه المناقشات الدائرة في بيروت «صبح مساء» حول أدوار «حزب الله» الذي سعى إلى انتزاعِ إقرارِ رسمي وشعبي بمهمّته كـ «جيش رديف» لحماية لبنان، من خلال المعركة العسكرية – الإعلامية التي خاضها ضدّ «النصرة» في جرود عرسال قبل أن ترتسم في الأفق محاولاتٌ داخلية وخارجية لنزْع هذا الانطباع من خلال الإصرار على «احتكار» الجيش اللبناني وحيداً مهمة طرد الإرهابيين من جرود رأس بعلبك والقاع وفي إطار استراتيجية التحالف الدولي الذي يُعتبر لبنان عضواً فيه.
وإذا كان لبنان نجح في المواءمة بين الوقف السياسي الذي يجعل من المعركة المرتقبة ضد «داعش» جزءاً من نشاط التحالف الدولي ضد الإرهاب والموقف المبدئي الذي تُرك في ضوئه زمام المبادرة بيد الجيش في مسائل التنسيق لضرورات المواجهة، فإن الحكومة تفادت أمس انفجار «فتيل» التطبيع مع النظام السوري حين قابلتْ إصرار وزراء من «حزب الله» وحلفائه على زيارة دمشق بـ «لعم»، فلم تمنحها تغطية رسمية من مجلس الوزراء ولم تمنعها.
وطُرحت على طاولة مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال مسألة الزيارة التي يفترض أن يقوم بها وزراء الزراعة غازي زعيتر (من فريق الرئيس نبيه بري) والصناعة حسين الحاج حسن (من حزب الله) والاقتصاد رائد خوري (من فريق الرئيس ميشال عون) بعد 15 الجاري لدمشق سواء للمشاركة في معرض دمشق (حول إعادة الإعمار) أو بحث ملفات ثنائية، على أن تليها زيارة لوزير المال علي حسن خليل بدعوة من رئيس الوزراء السوري عماد خميس.
وفيما برز حرصٌ من «حزب الله» وفريق الرئيس عون (الوزير سليم جريصاتي) على التعاطي مع هذه الزيارات على أنها ستتمّ بصفة رسمية وشخصية وسط تذكير وزير الخارجية جبران باسيل (صهر عون) في السياق عينه بأن الحكومة عيّنت قبل نحو اسبوعين سفيراً جديداً لدى سورية، تَصدّر وزراء «القوات اللبنانية» المعترضين على أي تغطية من الحكومة لهذه الزيارات مؤكدين أن «من الخطأ تعريض علاقات لبنان العربية والدولية عبر الانزلاق نحو أي تطبيع مع نظامٍ (السوري) ما زالت عضويته معلّقة في جامعة الدول العربية».
وبعد أخْذ وردّ ودعوة وزير الداخلية نهاد المشنوق للتصويت على الزيارات وطرْح باسيل إدراج زيارة خوري معرض دمشق على طاولة الحكومة، طلب الرئيس سعد الحريري ان يُشطْب من المحضر موضوع الزيارات في ما يشبه «النأي بالنفس» عنها، مع التأكيد أنها ليست بسياق أي مهمّة رسمية من شأنها ترتيب مفاعيل سياسية لا تريدها الحكومة مجتمعة، وهو ما أشار اليه وزير الإعلام ملحم الرياشي حين اعلن بعد الجلسة ان «الرئيس الحريري اكد سياسة النأي بالنفس عن المحاور الاقليمية وان اي زيارة لوزيرٍ لسورية ستكون بصفته الشخصية وليس بتكليف رسمي».
واستدعى هذا «اللغم» الذي واجَه الحكومة عقْد رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع مؤتمراً صحافياً وصف فيه ما يحصل في الحكومة من محاولاتٍ مستمرة من «حزب الله» لجرّ لبنان الى تطبيع العلاقة مع «ما يُسمى النظام السوري» بأنها غير مقبولة، معلناً «نرفض أي تعاط رسمي بين الحكومة اللبنانية والسورية لان الأخيرة غير موجودة»، ومحذراً من ان مصير الحكومة يصبح على المحكّ بحال الخروج عن مبدأ تحييد الملفات الخلافية الاستراتيجية عنها.
ولم يحجب هذا الاحتدام السياسي من بوابة سعي «حزب الله» لربْط لبنان بالمحور الذي يشكّل «حربته» الأنظار عن ملف لا يقلّ أهمية في سياق تظهير حجم الصراع على «بلاد الأرز» وموقعها الاقليمي، وهو ما عبّر عنه «الهجوم المعاكس» الأميركي – الدولي في الأمم المتحدة وتحديداً استباق المندوبة الأميركية نيكي هايلي تجديد مجلس الأمن نهاية الجاري ولاية «اليونيفيل» العاملة في الجنوب بإعلان أنّ بلادها تشاطر الامين العام للأمم المتحدة رغبتَه القوية «بتحسين جهود (اليونيفيل) لمنعِ انتشار الأسلحة غير الشرعية في جنوب لبنان»، معتبرة أنّ «الأسلحة المحظورة في منطقة عمل (اليونيفيل) هي في غالبيّتها تابعة لإرهابيي (حزب الله) (…) وعلى (اليونيفيل) أن تزيد قدراتها والتزاماتها للتحقيق في انتهاكات (حزب الله) للقرار 1701».