كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
استعاد لبنان «حماوته» السياسية مع تحوُّله «حلبة صراع» على المكشوف بين إيران وحلفائها الذين يدفعون في اتجاه تطبيع العلاقة مع النظام السوري كتتويجٍ لمسار «تطويع» الواقع اللبناني وخصوصاً بعد المكاسب العسكرية – السياسية التي سعى «حزب الله» الى انتزاعها من معركة جرود عرسال، وبين خصوم طهران المحليين والخارجيين الذين يسعون الى إعادة بعض التوازن الى الوضع الداخلي على النحو الذي يفوّت الفرصة أمام إلحاق لبنان بالكامل في «محور الممانعة».
واستوقف دوائر سياسية في بيروت وجود ما يشبه «أمر عمليات» باقتياد لبنان الى معاودة تعويم العلاقة الرسمية مع نظام الرئيس بشار الأسد في إطار أجندة اقليمية تقودها طهران، وهو ما تجلى في إغراق البلاد بسلسلة عناوين تم ربْطها بوجوب التنسيق مع دمشق في شأنها، تارة من بوابة ملف النازحين، وطوراً من باب ضرورة التعاون العسكري لضمان تحقيق الجيش اللبناني انتصاراً سريعاً وبأقل كلفة ضدّ «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع، وصولاً إلى انفلاش مسألة زيارات وزراء «حزب الله» والرئيس نبيه بري خصوصاً للعاصمة السورية بصفة رسمية حملت محاولات لجرّ الحكومة الى تطبيعٍ مع النظام.
ورغم ان حكومة الرئيس سعد الحريري «أحبطتْ» مساعي زجّها في خدمة مشروع «حزب الله» ذات الصلة بالأزمة السورية وصراع النفوذ في المنطقة، إلا أن ما عبّرتْ عنه مداولات جلسة مجلس الوزراء من اصطفاف استعاد الانقسام بين ضفتيْ «8 و14 آذار»، عكس خشيةً من أن يكون لبنان في طريق الخروج من «منطقة الأمان» التي وفّرتها التسوية السياسية التي أنهت الفراغ الرئاسي إلى محاولة دفْعه لقلب صراعات المنطقة من بوابة الأزمة السورية التي دخلت مرحلة «حصر إرث» بين اللاعبين الاقليميين والدوليين الذين يتقاسمون مناطق النفوذ في بلاد الشام.
ولم يكن أدلّ تعبيراً عن الأبعاد الكبرى لإطلاق حلفاء إيران وسورية «حملة» الترويج لتنسيقٍ «لا بدّ منه» مع نظام الأسد، سوى تولّي رئيس البرلمان نبيه بري الدفع في هذا الاتجاه من طهران، الأمر الذي اعتُبر في سياق قرار إقليمي كبيرٍ بتوجيه رسائل باتجاه العرب والمجتمع الدولي بأنّ النفوذ الإيراني صارت امتداداته العملية من بغداد الى بيروت مروراً بدمشق.
وحسب هذه الدوائر، فإن اللافت تظهير قريبين من «حزب الله» المعركة التي سيخوضها الجيش اللبناني ضدّ «داعش» في الجرود الشرقية وبدعمٍ لوجستي أميركي على أنها في سياق رغبة غربية ومن واشنطن خصوصاً في أن تنتهي بانتصار للمؤسسة العسكرية اللبنانية يمكن استثماره لتأكيد قدرتها على حماية لبنان وتالياً نزْع ذريعة من المدافِعين عن سلاح «حزب الله» والحاجة اليه.
وبصرف النظر عن «الارتياب» الذي تثيره هذه القراءة في أوساط خصوم «حزب الله» من «الألغام» التي يمكن أن تُزرع في طريق الجيش اللبناني، فإن جانباً آخر تكشفه حول ملامح اندفاعة غربية لاحتواء تمدُّد «حزب الله» في سياق تحجيم أدوار إيران ونفوذها في المنطقة، وهو ما تعبّر عنه العقوبات المالية الأميركية المرتقبة على الحزب والمعلومات عن اتجاهٍ لطلب توسيع نطاق القرار 1701 ليشمل الحدود اللبنانية مع سورية، ومنْح قوة «اليونيفيل» صلاحيات أوسع للتحقق من انتهاكات «حزب الله» لهذا القرار وخصوصاً لجهة وجوده العسكري جنوب الليطاني.
وكان بارزاً أمس كلام القائم بالأعمال البريطاني بن واستينج بعد زيارته رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، إذ أكد «دعم المملكة المتحدة للجيش اللبناني باعتباره المدافع الشرعي الوحيد عن لبنان، وهو الوحيد الذي نجح بمفرده في صدّ غزو (داعش) العام 2014، والذي يشكل حجر الاساس للسيادة اللبنانية»، معلناً «الترحيب على وجه الخصوص بانعقاد المجلس الاعلى للدفاع وبدعم رئيس الوزراء لقائد الجيش».
وجاء هذا الموقف البريطاني ليلاقي التقارير عن رسالة أميركية تبلّغها لبنان من مغبة حصول أيّ تنسيق عسكري في المعركة ضدّ «داعش» بين الجيش اللبناني و«حزب الله»، الأمر الذي يعكس الأرضية المعقّدة التي ستجري عليها معركة الجرود وسط ما يشبه المحاولات الاستباقية لاستنزاف الدلالات الكبرى، العسكرية والسياسية، لانتصار الجيش فيها سواء عبر توظيفها في سياق مساعي تعويم النظام السوري او تعمُّد تظهيرها على انها لن تغيّر حرفاً في أجندة «حزب الله» ولا وضعيّته خارج الدولة.
وفي حين اشارت تقارير الى ان «الثنائي الشيعي»، الرئيس بري و«حزب الله»، أبلغا إلى الرئيس الحريري رفض أي محاولات لتوسيع نطاق القرار 1701 في اتجاه الحدود الشرقية، تستبعد الدوائر المراقبة أي تغيير قريب في «الستاتيكو» الذي يحكم الوضع اللبناني والذي تشكل الحكومة الحالية نقطة ارتكاز فيه، وذلك رغم الاقتناع بأن هذه الحكومة دخلتْ مرحلة «الاهتزازات» التي قد تعرّضها لمصاعب فعلية.