يدور لغط حول إمكان إجراء الانتخابات النيابية الفرعية في 24 أيلول المقبل لملء ثلاثة مقاعد نيابية شاغرة: الأول في كسروان بانتخاب النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية، والآخرين في طرابلس باستقالة النائب الأرثوذكسي روبير فاضل، ووفاة النائب العلوي بدر ونّوس، على رغم أن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أنجز التحضيرات الإدارية واللوجستية لإنجازها، وإذا كان هناك توجه لصرف النظر عنها بذريعة أنه لم يعد يفصلنا عن الانتخابات النيابية العامة في أيار المقبل سوى سبعة أشهر فليتحمل وزر تأجيلها مجلس الوزراء مجتمعاً أو يأخذها بصدره الرئيس عون الذي كان أول المتحمسين لإتمامها احتراماً لما نص عليه الدستور.
وفي معلومات خاصة توافرت لصحيفة “الحياة”، فإن الرئيس عون هو من شدد في جلسة سابقة لمجلس الوزراء على إجراء الانتخابات الفرعية مهما كلف الأمر لتأكيد انتظام المؤسسات الدستورية، فيما لم يبد رئيس الحكومة سعد الحريري حماسة وكذلك رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وقيادات أخرى، منها طرابلسية، ترى أن احترام الدستور لا يتوقف على إنجاز هذا الاستحقاق النيابي.
لكن الرئيس عون، وإن كان من أكثر المتحمسين لاحترام الدستور من جهة ولاعتقاده أن المعركة الانتخابية في كسروان- الفتوح ستكون لمصلحة العميد المتقاعد شامل روكز من جهة ثانية، بات اليوم يتجنب أي كلام يتعلق بضرورة إتمامها من دون معرفة الأسباب الكامنة وراء تريثه، في الوقت الذي تقول مصادر كسروانية إن استطلاعات الرأي التي أجريت أخيراً وشملت عدداً من المرشحين لخوض الانتخابات أظهرت قدرة النائب والوزير السابق فريد هيكل الخازن على تحقيق مفاجأة.
وفي هذا السياق، يتردد أن قيادة “التيار الوطني الحر” برئاسة الوزير جبران باسيل ما زالت تجري تقويماً للظروف المحيطة بالانتخابات الفرعية في كسروان على قاعدة أن الدستور ينص على إتمامها في موعدها وأن لا مجال إلا لاحترام ما نص عليه، لكن لا بد من التعامل معها من زاوية سياسية للإحاطة بتداعياتها في حال أجمع الرأي على خوضها بالعميد روكز.
كما يتردد أن هناك من يرجح العامل السياسي على الآخر المتعلق باحترام الدستور وتطبيقه، وتحديداً من زاوية الربح والخسارة، في حال استقر الرأي على خوض هذه الانتخابات ومدى تقدير المزاج الشعبي الكسرواني لمعرفة ما إذا كان على حاله من دون أي تعديل بعد أن أتاح في الانتخابات النيابية السابقة للائحة التي ترأسها العماد عون، حصد المقاعد النيابية الخمسة في كسروان.
وبكلام آخر، فإن قيادة “التيار الوطني” تنطلق من فرضية واقعية إذا ما قررت خوض الانتخابات، مفادها: ماذا لو فاز روكز في المعركة ضد منافسه الأبرز فريد الخازن بفارق أصوات ضئيل أو استطاع الأخير كسب السباق الانتخابي؟ ففي كلتا الحالتين يتساوى الربح مع الخسارة، لأنه يفترض مع انتخاب مؤسس “التيار الوطني” العماد عون رئيساً للجمهورية أن يكون الفوز باهراً وبفارق كبير من الأصوات، على رغم أن الرئاسة الأولى ستقف على الحياد، ناهيك بأن الرهان على ترشح أكثر من مرشح في المشاركة الانتخابية ضد روكز يمكن أن يؤثر سلباً على حشد الناخبين لمصلحة منافسه الخازن قد لا يكون في محله، باعتبار أن الخازي يبقى الأقوى وأن الآخرين يخوضون الانتخابات رغبة منهم في اختبار قوتهم في تسجيل رقم انتخابي يمكنهم من حجز مقاعد لهم في اللوائح التي ستتبارى في الانتخابات العامة.
كما أن معظم الناخبين الكبار قد يضطرون منذ الآن إلى كشف أوراقهم الانتخابية وكأن المطلوب منهم الانجرار إلى حرق أوراقهم قبل الأوان وفي انتخابات فرعية. وهذا ما ينطبق على “القوات” التي لا تحبذ إتمام الانتخابات الفرعية في ظل عدم وضوح الرؤية في التحالفات المقبلة، مع أن هناك محاولات جدية لإعادة ترميم علاقتها بحليفها في “إعلان النيات” “التيار الوطني”.
كما أن النائب السابق منصور غانم البون هو الآن في وضع حرج ولم يتخذ قراره النهائي على رغم أنه يتأرجح بين تأييد روكز أو دعم حليفه في الانتخابات السابقة فريد الخازن، من دون أن يغيب عنه أنه لو وقف إلى جانب الأول ولم يحالفه الحظ، فإن الخازن سيحصد قوة انتخابية تجعل منه رأس حربة للائحة المنافسة للائحة “التيار الوطني” في الانتخابات العامة.
كما أن تأييده الخازن سيعطيه دفعاً انتخابياً يجعل منه المقرر الأول في تركيب اللائحة في الانتخابات المقبلة. لذلك، فإن “التيار الوطني” بات الآن أمام قرار صعب في ظل ما يتردد على لسان بعض الكسروانيين من أن أهل الفتوح كانوا السباقين في الوقوف الى جانب عون فور عودته من منفاه الباريسي عام 2005 وترجموا هذا الدعم بفوز لائحته في كسروان، وبالتالي ما المانع من أن يكون ملء مقعده الشاغر من نصيب مرشح من كسروان.
ولا ينطلق هؤلاء من موقف شخصي من العميد روكز الذي نجح في أن يثبت وجوده في كسروان محتفظاً لنفسه بهامش من الاستقلالية عن “التيار الوطني” في ضوء ما تردد شريحة كسروانية فاعلة من أن هذه المنطقة أعطتهم الكثير إيماناً منها بالدور المنتظر لرئيس الجمهورية، لكنها في المقابل لم تلق الاهتمام المطلوب، وإلا لماذا تحرم من أن تمثل في الحكومة وفيها الكثير من الكفاءات، أو بموظف كبير، إضافة الى عدم وجود الاهتمام المطلوب لرفع مستوى النهوض فيها وهي منطقة سياحية بامتياز.
ويسأل هؤلاء أالم يحن الأوان للتعويض علينا بأن نتمثل بمقعد نيابي شاغر يفتح الباب أمام تصحيح علاقة بعض الشخصيات التي نحترمها بقيادة “التيار الوطني” التي لن تواجه أي حرج في حال قررت منذ الآن أن تطلق حرية التنافس في الانتخابات الفرعية، إنما على خلفية حصر المعركة بالكسروانيين لقطع الطريق على إحداث فرز لا نريده، وإلا فالمعركة ستتجاوز شخص العميد روكز الى من بيدهم الحل والربط.
ويبقى السؤال هل ستجرى الانتخابات الفرعية احتراماً للدستور أم سيصرف النظر عنها في الوقت المناسب، إلا في حال تقرر إخراج كسروان من معركة يغلب عليها التحدي.
وأخيراً، من سيتطوع لابتداع “الفذلكة” السياسية لتبرير تأجيل الانتخابات الفرعية، خصوصاً أن في طرابلس من يجمع على أن لا ضرورة لها، لضيق الوقت الذي يفصلها عن الانتخابات العامة، إضافة الى أن لا مصلحة لهؤلاء في إقحام أنفسهم في معركة اختبار الأوزان في ظل عدم وجود حماسة من الناخبين السنّة الذين هم وحدهم وبلا منازع يرجحون كفة من سيفوز فيها وبالتالي يرون أن هناك ضرورة لعدم كشف أوراقهم في منافسة لن تقدم أو تؤخر على صعيد عاصمة الشمال.