كتب انطوان فرح في صحيفة “الجمهورية”:
يتحوّل قصر بعبدا اليوم الى حائط مبكى، وستشهد طاولة الحوار التي دعا اليها رئيس الجمهورية، حوارات طرشان، لأن المصالح متضاربة، وآليات الوصول الى تفاهمات مفقودة، والوقت ضاغط، ولأن المشاركين في النقاشات لديهم مصالح مالية، وحسابات سياسية وقسم منهم غير مُلمّ بآلية دوران العجلة الاقتصادية.في الأسباب الموجبة التي وردت نقلا عن القصر الجمهوري، انه «اذا ردّ الرئيس قانون السلسلة سيستهدف المستحقين، واذا وقّعه يمكن أن يُحدث اضطرابات على الواقع النقدي واقتصاد البلد». ويأمل رئيس الجمهورية من خلال طاولة بعبدا ان يتوصل الافرقاء الى قواسم مشتركة حول السلسلة.
فهل ان نتائج هذا الحوار ستساعد على خفض منسوب الحيرة لديه، ام ان العكس صحيح، وسيجد رئيس الجمهورية نفسه في حيرة أكبر بعد ترؤسه «حوار الطرشان» اليوم؟
لا شك في ان النقطة الرئيسية التي تُسجّل للرئيس انه، ورغم خلفيته العسكرية البعيدة مبدئيا عن عالم الاقتصاد والارقام، الا انه مدركٌ لخطورة الواقع الاقتصادي، وبات متابعا عن كثب لما يجري. والورقة المختصرة التي قدمها في جلسة مجلس الوزراء، اكثر من واقعية، وهي ترسم المسار الحقيقي للوضعين المالي والاقتصادي.
لكن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الاستماع الى مواقف الاطراف المعنية بالسلسلة والضرائب، بل في الواقع غير القابل للتغيير. وعندما عرض عون الورقة الاقتصادية وقال ان الدين العام سيصبح 110 مليار دولار في العام 2020، وهذا امر محسوم ومحتوم، لم يكن يعني ان الغاء السلسلة والضرائب سوف يغيّر هذا الواقع. وهنا بيت القصيد. سواء أقرّت السلسلة والضرائب ام لا، المشكلة قائمة وتحتاج الى معالجات.
بلغ حجم الدين العام حاليا حوالي 78 مليار دولار. في المقابل، يصل حجم الاقتصاد الى حوالي 55 مليار دولار. الدين ينمو بنسبة 8 أو 9 في المئة سنويا، أي حوالي 5 مليار دولار. الاقتصاد ينمو بنسبة 1 أو 1.5 في المئة، أي حوالي مليار الى مليار ونصف المليار دولار.
كل زيادة مليار دولار في الاقتصاد، تترجم حوالي 100 مليون دولار ايرادات اضافية للخزينة في ظل النظام الضرائبي السائد. هذا يعني ان وقف نمو الدين العام نهائيا، يحتاج الى نمو اقتصادي سنوي يناهز الخمسين مليار دولار! اي نسبة نمو تصل الى 97%!
طبعا، هذا الامر مستحيل، لكن خفض نمو الدين تدريجيا يحتاج الى نمو اقتصادي بنسبة 10%، لأنه يعني زيادة الايرادات بحوالي 500 الى 550 مليون دولار سنويا.
واذا افترضنا ان هذه النسبة من النمو (صعبة لكنها ممكنة قياسا الى تجربة السنوات 2008،2009،2010)، فان البلد يحتاج، مع احتساب نمو الانفاق المرتبط بالتضخّم، الى حوالي 15 سنة لكي يصل الى التوازن بين زيادة الايرادات وخدمة الدين العام. هذا اذا افترضنا وقف نمو الانفاق غير المجدي، والذي لا يرتبط بالتضخّم.
هذا الواقع يستدعي طرح السؤال التالي: ما الفرق بين إقرار السلسلة والضرائب المرفقة، وبين الغاء القانونين؟ هل الاقرار يُدمّر الاقتصاد؟ وهل الالغاء يُنقذه؟
الاجابة واضحة. المسار الانحداري نحو الهاوية سيستمر، مع السلسلة والضرائب او من دونهما. لكن القرارات العشوائية مثل السلسلة والضرائب تساهم في تسريع الانتحار الجماعي. في حين ان التريّث قد يمنح اللبنانيين وقتا اضافيا مستقطعا، لكنه بلا فائدة اذا لم يتم اتخاذ خطوات حقيقية لتغيير المسار.
اذا قرّر رئيس الجمهورية ردّ السلسلة والضرائب لتنقيتهما من الشوائب، وضمان خفض انعكاسهما السلبي على الوضعين المالي والاقتصادي، فان المطلوب في هذا الوضع استكمال الحوار الاقتصادي باسلوب مختلف، لاتخاذ خطوات انقاذية من شأنها إحداث تغيير جذري في الاتجاهات العامة، وفي طليعتها طبعا وقف مسلسل السرقات والهدر.
أما اذا كان قرار رد السلسلة والضرائب سيكون يتيما، ولن يُستتبع باجراءات تشبه الانتفاضة على كل ما هو قائم، فقد يكون من حق الناس ان يسألوا لماذا نُطيل عمر المريض ونضعه على التنفّس الاصطناعي، نعذبه ونعذّب مَن حوله دون أمل. أوليس الموت الرحيم أرحم للجميع؟