Site icon IMLebanon

أي رسائل تنقلها عُمان بين واشنطن ودمشق؟

 

كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:

حينما يُسأل الرئيس نبيه بري عن انه وراء شرارة السجال العالي النبرة الذي لم يتوقف منذ اكثر من اسبوعين، قبل جلسة مجلس الوزراء الاربعاء وبعدها، بازاء زيارة ثلاثة وزراء دمشق، يجيب: «كي يلحقوا بانفسهم».

لا يكتفي رئيس مجلس النواب نبيه بري بالقول إنه اطلق السجال الدائر حيال زيارة وزيره ووزيري حزب الله وتيار المردة دمشق، بل يضيف: «دعمتها وأنا في الطائرة في ايران قبل الوصول الى هناك، وقلت لحّقوا حالكم. كررت هذا الكلام من هناك، وأعدت قوله هنا. اكرره الآن كي يتنبّه الفريق الآخر الى ما وصلنا اليه، وان الدنيا من حولنا تغيرت وتبدلت. ليذهبوا ويبصروا الاوروبيين المشاركين في معرض دمشق. ليلحقوا بأنفسهم».

على اثر ذهاب الوزيرين غازي زعيتر وحسين الحاج حسن الى العاصمة السورية بعد ظهر الاربعاء، ولحق بهما في الغداة الوزير يوسف فنيانوس، ثم كلام وزير الخارجية جبران باسيل عن عدول وزير التيار الوطني الحر رائد خوري عن الزيارة نفسها بسبب عدم الحصول على موافقة رسمية من مجلس الوزراء، لم يعد الكلام عن حدث وقع ذا جدوى.

بالتأكيد سيطول الجدل بإزائه. الا ان الفريقين، المؤيد والمناوىء، يتهيّبان الزيارة: الاول يجهر بإعادة وصل ما انقطع «رسمياً» هذه المرة على انه فاتحة المرحلة المقبلة، والثاني تجرّع الكأس رغماً عنه واول قواه رئيس الحكومة سعد الحريري.

ليست بين يدي الفريق المؤيد حجة ضعيفة للدفاع عن موقفه، اذ يقول انها ليست المرة الاولى يذهب مسؤولون فيه الى دمشق، ليس ليقابلوا مسؤولين سياسيين فحسب، بل ايضاً وعلى الدوام احد ابرز رجال النظام رئيس مكتب الامن الوطني اللواء علي المملوك المطلوب من القضاء اللبناني، وفي روزنامة احد الوزراء الثلاثة مقابلته كواحدة من مرات تلو مرات. بدورها الزيارات الشخصية على وفرتها في السرّ والعلن، ليست ذات اهمية كالذي يفعله الحاج حسن الذي غالباً ما يقصد مقام السيدة زينب.

بيد ان الزيارة هذه المرة رسمية بدلالاتها المختلفة: بالاعلان عنها اولاً، ثم بإطناب حصولها والمغالاة بتأكيدها ثانياً، وبالتشديد على انها سياسية وليست رسمية واعلامية فحسب ثالثاً، وبتجاهلها تماماً مجلس الوزراء ورئيسه رابعاً، واخيراً بعدم ممانعة رئيس الجمهورية ميشال عون علناً على الاقل لها خامساً وهو في صلب خيارات هذا الفريق. لم يصدر عن المجلس موقف رسمي يرفض حصولها او يوافق عليها، ويكفي سحب الحريري الجدل المسهب الذي دار من حولها في جلسة الاربعاء من المحضر كي ينزع عنه صفة مناقشته على طاولته، مكتفياً بإبراز موقفه هو انه ضد الزيارة.

رغم موقفه المبدئي من العلاقة بالنظام السوري اذ يلصق به شتى النعوت والاتهامات، لم يشأ الحريري في جلسة مجلس الوزراء التي سبقت جلسة الاربعاء، يوم الموافقة على التشكيلات الديبلوماسية، الاعتراض على تعيين سفير جديد للبنان في سوريا سماه رئيس الجمهورية هو سعد زخيا، ولا التحفظ كي لا يقال الرفض. بل مرر الموافقة كسلة واحدة، عارفاً في الوقت نفسه ان الرئيس بشار الاسد هو مَن سيقبل اوراق اعتماد السفير الجديد. وما لم يفعله رئيس الحكومة، لم يُقدم عليه ايضاً وزراء القوات اللبنانية في الجلسة تلك، خصوصاً وان احدهم هو الوزير بيار بوعاصي كان وراء إثارة الجدل حيال زيارة دمشق. شأن الحريري، سلّم وزراء القوات اللبنانية بسلة التشكيلات الديبلوماسية ــ ولهم فيها كسواهم حصة ــ دونما ادنى مقاربة اعتراض او رفض على تعيين سفير جديد في سوريا. ما قيل في مجلس الوزراء في رد على الموقف المناوئ، تساؤل الفريق المؤيد عن صعوبة هضم زيارة وزيرين او ثلاثة لسوريا في وقت حشد حزب الله فيها 20 الف مقاتل.

الواضح ان ما يصح الكلام فيه عن سفير لبناني في دمشق، يصح عن السفير السوري في بيروت علي عبدالكريم العلي الذي، لأيام قليلة سبقت اندلاع هذا السجال، كان يحضر في الكلية الحربية في الاول من آب احتفال تخريج التلامذة الضباط في حضور عون والحريري، ممثلاً رأس النظام، وتالياً الدولة السورية، وهو لما يزل الى اشعار آخر يحظى باعتراف الدولة اللبنانية برمتها بما فيها الحكومة اللبنانية بشرعيته.

آخر المسؤولين اللبنانيين استقبلهم الاسد كان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم في الاربعاء الذي سبق جلسة مجلس الوزراء، في سياق مهمات التنسيق الامني المتبادل بينه ونظرائه هناك. ليس سراً كذلك ان الوزير بيار رفول، منذ ما قبل انتخاب الرئيس ميشال عون قبل نحو سنة، يزور دمشق بوفرة كجزء لا يتجزأ من صلة وصل بين عون والقيادة السورية، ثم تكررت الزيارة بعد انتخابات الرئاسة ــ وقد بات وزيراً ــ وكان آخرها قبل اقل من شهر إبان السجال الداخلي عن التنسيق بين البلدين، خلال احداث جرود عرسال وفي اطار فتح حوار مع سلطات النظام بإزاء وضع النازحين السوريين وسبل إعادتهم الى بلادهم.

ما يعزز حجة اصحاب الموقف المؤيد للزيارة، ايضاً وايضاً، وفرة المعلومات المتقاطعة لديهم حيال تواصل غير عادي يجري عبر قنوات سرّية مع نظام الاسد. لم يعد الامر يقتصر على تراجع اميركي وفرنسي ــ وهما البلدان رأس الحربة ــ عن اولوية اسقاط الاسد ونظامه فحسب، بل ظهور رغبة في الانفتاح عليه وتوجيه الاهتمام الى ضرب الارهاب المتطرف، والتعاطي مع الاسد ــ رغم الكثير الكثير الذي يقال عن دوره في الحرب السورية منذ عام 2011 ــ على انه اضحى شريكاً في ضرب الارهاب.

بعض المعلومات المهمة المتوافرة، ان واشنطن رغبت قبل اقل من اسبوعين في فتح اتصال مع نظام الرئيس السوري عبر طرف ثالث هو سلطنة عُمان، تولت نقل رسائل متبادلة على ان يجري الحوار في مكان ثالث.

الرد السوري ــ تبعاً للمعلومات المتوافرة لدى الفريق المؤيد ــ مزدوج: الحوار يكون في سوريا بلا اي مكابرة، والمحتوى ليس امنياً فقط بل امني ــ سياسي كون دمشق لا تميّز بينهما وترى احدهما مكملاً للآخر، ولا تريد التحوّل «صندوق مساعدات».

الى الآن لم تتعد المحاولة جس نبض، وجهداً اولياً لبناء اتصالات. بيد ان الاهم فيه انطواؤه على تراجع عما هو اهم من ترتيب الاولوية السابقة: اعادة الاعتبار الدولي، الاميركي والفرنسي أولاً بأول، الى نظام الاسد.