كتبت رولا حداد:
رغم كل المجهود والنضال السري والعلني للقوى السيادية في لبنان بين عامي 1991 و2004، لم تتمكن هذه القوى التي ضمّت يومها “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” والمعارضة الكتائبية و”الوطنيين الأحرار” و”الكتلة الوطنية”، من تحقيق إنجاز التحرير من الاحتلال السوري الذي دام منذ الـ1975، عبر أفواج “الصاعقة” الفلسطينية بشكل غير مباشر، واعتباراً من الـ1976 بشكل مباشر وعلني.
ورغم صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن، ورغم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يتمكن تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي رغم انضمامهما إلى القوى السيادية، اعتباراً من لقاءات البريستول وصولاً إلى التظاهرات الخجولة نسبياً التي تلت زلزال 14 شباط 2005 كل اثنين تلى 14 شباط، من إنجاز التحرير، لا بل يشهد أركان ما عُرف لاحقاً بـ”قوى 14 آذار” بأن الأميركيين أبلغوهم بأن “يلملموا” الأمور وبأن أقصى ما يمكن تحقيقه هو إعادة انتشار الجيش السوري باتجاه البقاع.
وحدها تظاهرة “شكراً سوريا” التي نظّمها “حزب الله” بالتعاون مع أتباع سوريا وحلفائها في لبنان في 8 آذار 2005 كانت كفيلة بقلب كل المعادلات. عنجهية الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في مؤتمره الصحافي عشية التظاهرة، وسخريته من تظاهرات الفريق المقابل، ودعوته وسائل الإعلام والمصورين إلى أن يشغّلوا “الزوم آوت” في تظاهرة 8 آذار، للدلالة على هزالة المشاركة الشعبية في التظاهرات المعادية لسوريا، إضافة إلى كل الشعارات المسيئة للسيادة اللبنانية التي رُفعت في ذلك الثامن من آذار في ساحة رياض الصلح، كل ذلك أشعل الثورة في قلوب اللبنانيين، فجاء الرد الشعبي المدوّي بعد 6 أيام فقط، وفي اليوم التاريخي العظيم في 14 آذار 2005.
لم يتوقع أشد المتفائلين من صفوف الفريق السيادي ربع ما حصل في 14 آذار 2005. لم ينزل اللبنانيون تلبية لدعوة حزب أو طرف سياسي أو شخصية سياسية. نزلوا عن اقتناع تام بوجوب النزول للرد على محاولات إبقاء الاحتلال جاثماً على صدورهم، وتلبية لواجب وطني مقدس أفرغ المنازل والقرى من أقصى الشمال مرورا بجبل لبنان وبيروت وصيدا مرورا بالبقاع الغربي وصولاً إلى شبعا في أقاصي الجنوب.
هل يشبه اليوم الأمس؟ هل تُحرِّك محاولات “حزب الله” الحثيثة، وبناء على تعليمات إيرانية واضحة لتعويم نظام الأسد خارجياً عبر لبنان، النبض الشعبي الاستقلالي في لبنان مجدداً للوقوف في وجه محاولات إعادة بشار الأسد إلى لبنان؟ وهل تساهم زيارات وزراء 8 آذار “الرسمية” إلى سوريا بإعادة إحياء قوى 14 آذار بعدما أصبحت من الماضي؟
الواضح بما لا يقبل الشك أن “القوات اللبنانية” بقيادة الدكتور سمير جعجع لا يمكن أن تقبل بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وكانت لجعجع مواقف واضحة في هذا الإطار. كما أن الرئيس سعد الحريري، ورغم كثرة التنازلات التي قدّمها، فإنه لن يستطيع مبدئيا التساهل في هذا الملف الذي يشكل خطاً أحمر سنياً وسعودياً وخليجياً.
واللافت أيضاً أنه ورغم تبدّل الاصطفافات في الحكومة حول الملفات الداخلية، فإن المواضيع السيادية، وخصوصاً كل ما يتعلق بالموقف من النظام السوري، يعيد فرز الاصطفافات داخل الحكومة بين فريقي 8 و14 آذار، ما يعني بوضوح أن الموقف من النظام السوري يعيد شدّ عصب 14 آذار سياسياً.
وكذلك فإن بقية القوى السيادية مثل “الكتائب اللبنانية” والحزب التقدمي الاشتراكي و”حركة الاستقلال” و”الوطنيين الأحرار” والشخصيات المستقلة وفي طليعتها اللواء أشرف ريفي ثابتة في رفضها للعودة إلى مرحلة ماضية من التعاطي مع النظام السوري، فهل يمكن أن يؤدي كل ما يحصل اليوم إلى إعادة إحياء الخط الاستقلالي في لبنان، وخصوصاً أنه وإن استسلمت قوى وأطراف سياسية لـ”حزب الله” فإن الجمهور الاستقلالي لم يستسلم أبداً رغم قرفه مما يجري؟ وهل يمكن أن نصل إلى يوم يقول فيه الجمهور الاستقلالي في لبنان “شكرا سوريا- الأسد” لأنها أعادت إنبعاث الفريق السيادي من تحت رماد التنازلات لمواجهة “حزب الله” الساعي إلى فرض الوصاية على لبنان من جديد؟