Site icon IMLebanon

خريطة المنطقة تتحوّل… لتحصين الإنتصار!

 

كتب نبيل هيثم في “الجمهورية”:

جواباً عن سؤال حول التطورات العسكرية التي تمثّلت بالقضاء على إرهابيي “جبهة النصرة” في جرود عرسال، وبالعملية المزدوجة الجارية من الجانبين اللبناني والسوري للقضاء على إرهابيي “داعش” في جرود رأس بعلبك والقاع والقلمون الغربي، إكتفى مرجع سياسي بالقول: “كل الواقع الاقليمي والدولي يتغير من حول لبنان، أنظروا الى خريطة المنطقة وتمعّنوا جيداً في التحولات السياسية والعسكرية… واستنتجوا”!ما قاله المرجع السياسي مبنيّ على قراءة لمشهد المنطقة ربطاً بتطورات الميدان العسكري من العراق الى سوريا وبمواقف اللاعبين الأساسيَّين على حلبة الازمة، أي الروسي والاميركي، ويصل في كلامه الى خلاصات بالغة الدلالة تستوجب التوقف عندها مليّاً:

والجميع يعلم انّ هذا التوافق كان مستحيلاً في فترة سابقة، وما من شك انّ هذا التوافق المرتبط بتلك التحولات، هو الذي وَفّر الظروف الموضوعية لانطلاق المعارك الاخيرة ضد “داعش”، والتي جاءت متزامنة من الجانبين اللبناني والسوري من الحدود، بصرف النظر عن الجدل العقيم والعديم الجدوى في شأن التنسيق بين الجيش اللبناني من جهة والجيش السوري و”حزب الله” من جهة ثانية.

على انّ السؤال الاساس وسط ما يجري: أيّ واقع ستفرضه تلك التطورات والتحولات على لبنان؟

لا شك في انّ لبنان، وكما يؤكد أكثر من مستوى سياسي، سيكون اكثر المستفيدين من إطفاء نار الازمات من حوله وارتداداتها في داخله.

هذا التقدير بأنّ لبنان سيكون أكثر المستفيدين، هو جُلّ ما يتمناه مرجع كبير، الّا انه لا يثق بالعقلية السياسية السائدة، التي قد تجعل رياح ايّ إنجاز في الميدان او غير الميدان تجري في اتجاه عكسي. واكثر من ذلك هو يخشى مع هذه العقلية ان تضيع على لبنان فرصة تثمير هذا الانتصار بما يخدم البلد وبما يمكّن الدولة من استعادة نفسها كدولة كاملة المواصفات.

ولهذا المرجع قراءة يصفها بـ”البسيطة”، وفيها:

المهم هنا هو انّ لبنان خرج (أو سيخرج) من معركة الجرود منتصراً، والأهم من الانتصار نفسه هو أن يدرك اللبنانيون قيمة هذا الانتصار ويعرفوا كيف ينتصرون، ولعلها فرصة سانحة لكي يتبدّى فيها شعور عام بانتصار يعني جميع اللبنانيين، لا أن تتكرّر التجربة الانقسامية السابقة مثلما جرى عام 2000 حينما اختلف اللبنانيون بين فريق قال انّ المقاومة انتصرت على إسرائيل وفرضت عليها الانسحاب من جنوب لبنان، وبين فريق قال انّ اسرائيل هي التي قررت الانسحاب تبعاً لمصالحها واعتباراتها الداخلية.

وكذلك ما جرى بعد حرب تموز 2006 بين فريق قال إنه انتصر وأحبط اهداف هذه الحرب، وبين فريق لم يعترف بهذا الانتصار وما زال يشكّك به حتى الآن”.

ولكن هل هذا ممكن؟

انّ مواكبة قوى الانقسام السياسي الداخلي لمعركة الجرود والانتصار الحتمي فيها، وكما يقول المرجع السياسي الكبير، لا توحي – بما يعتريها من تناقضات وتباينات – بأنّ الصورة الداخلية قابلة لأن يلفحها شيء من التبدل الايجابي. صحيح انّ هناك ارادة دولية للحفاظ على الاستقرار والامن في لبنان، وقد تَجلّت واضحة بشدة في زمن معارك الجرود، وصحيح ايضاً انّ هناك ارادة محلية كليّة بالخلاص من الوحش الارهابي، لكنّ الصحيح ايضاً هو العجز السياسي العام عن مغادرة الاصطفافات الداخلية التي نشأت منذ العام 2005 بما يعدم كل فرصة لإعادة إنتاج البلد بعيداً عن تلك الاصطفافات ومناكفاتها والتزاماتها. وفي هذه الحالة سيبقى الانتصار في الجرود يتيماً، ومجرّد إعلان للمزايدة، وبلا أيّ مفاعيل على أرض الواقع.