كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
السؤال المركزي الذي طرحته جولة العنف الأخيرة في مخيم عين الحلوة عمّا إذا كانت خلفياتها مرتبطة بأمر عمليات «داعشي» لإرباك الوضع اللبناني الداخلي وإشغال الجيش بمعركة في الجرود، ظلّ بلا إجابة شافية عنه حتى الآن؛ علماً أنّ هذا السؤال لا يزال محلَّ تدقيق لدى كلّ الجهات المعنية برصدِ حركة «داعش» و«النصرة» داخل المخيم.خلال الأسبوع الماضي الذي كانت فيه قيادة الجيش ومخابراته منهمكتين في إدارة الحرب على «داعش» في جردي رأس بعلبك والقاع، كان يمكن ملاحظة أنّ اليرزة تركّز اهتمامها على أحداث عين الحلوة، انطلاقاً من اعتبارات عدة:
أوّلها، أنّ الجهة المحرّكة لجولة العنف الاخيرة في المخيم هي من طبيعة «العدوّ التكفيري» الذي تدور المعركة ضده في الجرود.
ثانيها، أنّ حضور «داعش» في هذه الجولة التي تزامنَت مع معركة الجيش في الجرود، كان أوضح وأكثرَ ظهوراً، قياساً بالحضور الذي كان له في كلّ جولات العنف السابقة التي شهدها المخيم.
وثالثها، ميلُ مخابرات الجيش الى استبعاد فكرة أن تكون مجموعات «داعش» وشقيقاتها في المخيم في واردِ فتحِ معركة «مشاغلة» للجيش اللبناني بغية تخفيف الضغط على إرهابيّي «داعش» في الجرود، وما هو أقرب إلى الحقيقة أنّ هذه المجموعات تحاول رفعَ صوتِها في هذا التوقيت في عين الحلوة، علّها تجد مكاناً لها على «لائحة ترحيل» عناصر «داعش» من الجرود فيما لو أبرِمت تسوية لإنهاء القتال هناك.
ويُذكر في هذا السياق أنّ أسامة الشهابي أمير «ائتلاف الشباب المسلم»، ومعه مجموعة من «النصرة» والدواعش، كانوا قد عرضوا قبل فترة ترحيلهم من المخيم تحت مبرّر «أنّ تحقيق هذا الأمر يريح المخيم ويريحهم»، ولكنّ الدولة اللبنانية رفضَت طلبهم.
وغالبُ الظنّ أنّ رموز التكفيريين في المخيّم ظنّوا أنّ تسخين أجوائه بالتزامن مع حرب الجرود قد يَلفت النظر إليهم ويعطيهم فرصةً لأن تشملهم أيّ صفقةٍ مع الجيش اللبناني لترحيل «دواعش» الجرود إلى مناطق سيطرة «داعش» في سوريا.
وعموماً، بدا تقديرُ مخابرات الجيش، خلال أحداث عين الحلوة المتزامنة مع حرب «فجر الجرود»، مطَمئناً إلى واقع أنّ مخيّم عين الحلوة تحت السيطرة، وأنّ إجراءاتها فيه وحوله، بالإضافة إلى جملة اعتبارات أخرى، تجعل «داعش» داخل المخيّم غيرَ قادرٍ على استخدامه منصّةً لمفاجأة الجيش، أو تحويله «دوفرسواراً» عسكرياً في العمق اللبناني يمكنه «مشاغلة « الجيش منه، أو إرباك الجبهة الداخلية اللبنانية.
ومن منظار هذا التقدير عينِه، فإنّ المجموعات التكفيرية داخل المخيّم أصبحت أكثرَ وهناً وضعفاً، نظراً إلى جملة تطوّراتٍ استجدّت وتراكمت إيجاباً خلال الفترة القريبة الماضية، ويظلّ أبرزها:
أ- التحوّل الإيجابي في موقف عصبة الأنصار، والذي تَجسّد أخيراً من خلال عدة مواقف عملية، مع الإشارة هنا إلى أنّ العصبة تُعتبر – من جهة – الفصيلَ الإسلامي الأقوى في المخيّم، وتشكّل – من جهة ثانية – بيضة قبّانِ التوازن العسكري بين الاتّجاهين الإسلامي والوطني داخله.
ب- ما تُظهره المعلومات في شأن أنّ الفعالية العسكرية للفصائل المتطرّفة داخل المخيم ليس لديها هوامش من القوّة تُمكّنها من السيطرة عليه، أو نقلِ القتال من داخله إلى محيطه اللبناني.
وتدلّ إلى هذا المعنى وقائعُ الاشتباك في حي الطيري خلال جولةِ العنف الأخيرة، حيث ظهر أنّ مجموعة الـ»بلالين» (بلال بدر وبلال العرقوب) باتت تُقاتل للدفاع عن أحد أجزائه بعدما كانت تسيطر عليه كلّه.
ج – تظلّ أخطار تسرّبِ عناصر من «داعش» من داخل المخيم الى خارجه في اتّجاه مدن العمق اللبناني، قائمةً، غير أنّ الإجراءات التي تتّخذها مخابرات الجيش لضبط هذا الأمر، عاليةٌ ويُعتد بها، وهي كفيلة بجعلِ احتمال أعداد ارهابيي «داعش» المتسرّبين محدودةً جداً. ويلاحظ ضمن هذه الجزئية، أنّه كان هناك رصدٌ دقيق لدى مخابرات الجيش لحالات النزوح التي حصلت من داخل المخيم الى خارجه، أثناء جولة العنف الأخيرة فيه.
وكان من البديهيات الأمنية الافتراض أن يستغلّ «داعش» حالات النزوح الجماعي للّاجئين، ليدسّ عناصرَ تابعةً له بينهم، بغرض أن يشكّلوا خلايا نائمة داخل المدن اللبنانية.
غير أنّ مخابرات الجيش قلّلت من هذا الاحتمال في حالة جولة العنف الأخيرة، نظراً إلى كون معظم الذين نزحوا من المخيم خلالها، كانوا من اللبنانيين قاطني حيّ التعمير الواقع عند طرف المخيم، إضافةً إلى الاطمئنان للإجراءات الأمنية اللبنانية التي أثبتت في أكثر من اختبار أنّها كافية بمقدار كبير، لرصدِ أيّ تسرّبٍ لعناصر إرهابية ضمن حركة خروجٍ شِبه جماعية من المخيم إلى خارجه.
ومِن خارج تقدير موقف مخابرات الجيش، يؤشّر متابعون لملفّ عين الحلوة، إلى نقطتين تستوجبان التوقّف عندهما خلال جولة العنف الأخيرة:
- النقطة الأولى، موقف «حماس» التي رَفضت الاشتراك في عملية ترميم القوّة الفلسطينية المشتركة أثناء الاشتباكات لتستعيد دورَها في تثبيت وقفِ النار.
لدى مخابرات الجيش كان هناك تفسيرٌ لموقف «حماس» يصفه بأنّه لا يعدو كونه اعتراضاً على تفرّدِ حركة «فتح» بخوض اشتباك مع جماعة بدر ردّاً على تصرّفِ نجل بلال العرقرب الذي حاوَل نزع سلاحِ أحد عناصر «القوّة الفلسطينية المشتركة» عند باب قاعة العرائس التي تستخدمها الأخيرة مركزاً لها، وأنّه كان على حركة «فتح»، في نظر «حماس»، أن تبادر إلى التشاور مع فصائل المخيم لاتّخاذ موقف عسكري مشترك.
على أنّ مصادر فلسطينية تشير إلى أنّ موقف «حماس» احتُسِب على إيقاع ما يجري في قطاع غزّة من تصاعدٍ للتوتّر بينها وبين أنصار «داعش» الذي تزايَد نشاطه في القطاع خلال الفترة الاخيرة.
وتضيف أنّ «حماس» التي تريد تأجيلَ الحسم ضدّ «داعش» في غزة ريثما تستكمل عدة تحالفاتها هناك مع قوى إسلامية أخرى، خشيَت من أن تؤدي مشاركتها بقوّة ضد «داعش» في معركة عين الحلوة إلى رفعِ منسوب التوتر على جبهتها مع «داعش» في قطاع غزة، الأمر الذي قد يفجّر المعركة في توقيتٍ مبكر غير مناسب لسلطة «حماس» في القطاع.
- النقطة الثانية تتعلق بمستقبل مخيم عين الحلوة بعد معركة إخراج «داعش» من الجرود، وهذه النقطة تُعتبر حالياً مثارَ اهتمامِ فصائل المخيم الوطنية وغير التكفيرية، مثلما هي محلّ اهتمام لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية.
فهذه الفصائل ترى أنّ القرار الدولي بإعدام «داعش» و«النصرة» يجعل من حالة المساكنة بينها وبين هذين الفصيلين بمثابة خطر على أمن المخيم، وحتى على وجوده، وعليه، بات مطلوباً بإلحاح وضعُ نهايةٍ لهذا الوجود الإرهابي والمدمّر للمخيم.
ولم يعُد خافياً، أنّ هناك سيناريوهين اثنين يتمّ تداوُلهما في إطار نقاش فلسطيني بيني في المخيم، أوّلهما يدعو إلى شنِّ معركة حسمٍ ضدّهم، ولكن من دون أن يترتّب على هذا السيناريو أخطار أبرزُها تعريض المخيم للتدمير وجعلُ سكّانِه يدفعون كلفةً عالية من ممتلكاتهم وأرواحهم. ومن هنا يتمّ طرحُ سيناريو ثانٍ وهو التعامل بنحو أمني – سياسي مركّب مع هذا الوجود الإرهابي، توصّلاً إلى استئصاله بلا كلفة بشرية مرتفعة.