كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
كثرت خلال اليومين المُنصرمين، الأسئلة والتفسيرات حول طريقة تعاطى «حزب الله» مع الجماعات الارهابية التي كانت تحتل جزءاً من الأراضي اللبنانية والتي نفّذت أحكام إعدام بعسكريين ومدنيين لبنانيين ونكّلت بجثثهم وقطعت رؤوس بعضهم. قمّة الاستغراب، أن «حزب الله» الذي راح وعلى مدى السنوات الماضية، يوزّع اتهاماته بشأن تنظيم «داعش» ومشروعه في المنطقة والجهات التي تموّله وتدعمه وتُدربه بالإضافة إلى الخطر الذي يُمثله عقائدياً وممارسة، أبرم مع هذا الأخير، صفقة في الجرود، أتاحت للمئات من عناصر هذا المشروع «التكفيري»، الخروج من الأراضي اللبنانية بأسلحتهم الفردية في باصات «مُكيّفة»، في وقت عجز فيه لبنان الرسمي، عن إجراء فحص الحمض النووي للعسكريين الشهداء، بعد اهتراء أجسادهم بفعل حرارة الجرود المُلتهبة.
المؤكد أن «صفقة العار» هذه، سوف تظل تُلاحق «حزب الله» الذي كان لقادته، أطروحات وفلسفات خاصة حول إجرام هذا «التنظيم»ونكثه بالوعود وتبرئه من العهود، وبأن لا مكان للعيش بكرامة في ظل وجود هذا الفكر. وكم كانت شروحات قادة الحزب تطول، في كل مرّة يدعون فيها إلى توحيد الجهود العربية والاسلامية على وجه الخصوص، لإنهاء«داعش» والقضاء عليه، قبل أن يأتي يوم ويُصبح فيه أمر الحسم هذا، شبه مستحيل. ولكن، الدعوة هذه سرعان ما انكشفت بواطنها وظهرت في كلام للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله أطلقه في 28 الجارب بمناسبة «التحرير الثاني» أي «تحرير الجرود»، وقال فيه: «الكل متفق على أنه لو حررنا الأرض اللبنانية والسورية بدون كشف مصير العسكريين لكان سيصبح النصر منقوصاً»، مضيفاً: «لمن طالبنا بالحسم العسكري والانتقام من داعش نقول إننا وقفنا عند الاتفاق والتزمنا بالعهود». والسؤال هنا، وعود وعهود مع من؟ مع «التكفيريين»؟ ومع قطع الرؤوس؟ ومع من قتل بحسب اعلام الحزب، المئات من عناصره ومن فجّر سيارات مُفخّخة في الضاحية والبقاع؟.
في إحدى الجلسات في مجلس النوّاب، انبرى عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي عمّار الى الدفاع عن حزبه وموجهاً في الوقت نفسه، انتقادات الى الحكومة وصلت الى حد التجريح. وخلال استعراضه جملة من الأقوال والمآثر، استشهد بمثل ايراني بما معناه «ما هو حلال في الليل، يُصبح حراماً في النهار». هذا المثل وإن أردنا استخدامه اليوم ضمن المنطق الذي يستخدمه عادة قادة الحزب، فانه أولى بأن يُطبّق أو يُستخدم للتدليل على «صفقة العار» التي أبرمها «حزب الله» مع تنظيم «داعش» في لبنان. فمن باب «عهود» نصرالله مع هذا التنظيم، لا بد من العودة إلى خطاب مصوّر توجّه فيه إلى العراقيين بتاريخ 12/10/2016 قال فيه: «الخداع الأميركي سيضيع انتصاركم في الموصل، الانتصار العراقي الحقيقي هو أن تضرب داعش، وأن يعتقل قادتها ومقاتلوها ويزج بهم في السجون ويحاكموا محاكمة عادلة، لا أن يفتح لهم الطريق إلى سوريا، لأن وجودهم في سوريا سيشكل خطراً كبيراً على العراق قبل كل شيء». والسؤال هنا أيضاً، لماذا فُتحت لهم الأبواب في لبنان، ولم يُضربوا كما كانت الدعوات للعراقيين؟ فهل ما هو حلال على العراقيين، حرام على «الممانعين»؟.
نصرالله وفي معرض تبريره للصفقة، يُشير إلى أن «الاتفاق مع داعش شمل إجلاء 670 مدنياً و26 جريحاً، و308 مسلح من التنظيم»، معتبراً أن «اللجوء إلى الحل العسكري مباشرة كان من الممكن أن يسفر عن مقتل من يعرف مكان الجنود المختفين، وقتل مئات المدنيين». «أخلاقيات» الحزب مع «داعش»، تذهب إلى أبعد حدودها بكلام لنصرالله في الخطاب نفسه، إذ يقول: «لن نقوم بعرض تصاريح واستجواب ولا صور للذين استسلموا من داعش، لأن أخلاقياتنا لا تسمح بذلك». الانتقال إلى خطاب ثان لنصر الله، يُبين كلاماً من نوع آخر لكنه يصب في السياق نفسه. اذ يتحدث باللغة العامية قائلاً: «أنا صار عمر 57 سنة، قاتلت اسرائيل فعلت الجيد والقبيح ولا أحد معصوم. اذا سألتني عن أفضل وأعظم شيئ فعلته في حياتي، هو الخطاب الذي ألقيته ثاني يوم من الحرب السعودية على اليمن». السؤال هنا: هل السماح لعناصر تنظيم «داعش» بالإنسحاب من الأراضي اللبنانية، هو من الامور الجيدة، أو القبيحة؟، أم أن للمثل الإيراني أيضاً مكاناً هنا؟.
اللافت في «صفقة العار»، أنه حتّى حلفاء «حزب الله»، لم يتقبلوها وأعلنوا رفضهم لمجرد التفكير بنقل عناصر «داعش» ضمن حدودهم البريّة. فها هو رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يُعلن رفضه الكامل للاتفاق ولنقل مقاتلي «داعش» إلى الحدود السورية العراقية، مؤكداً أنه «أمر غير مقبول إذ لا يجوز إعطاء فرصة للإرهاب في أي مكان خصوصاً وأن تنظيم داعش يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولا يجوز منحه فرصة للتنفس.. هذا خطأ». وبدوره، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي النائب محمد الكربولي، أن «اتفاق حزب الله مع التنظيم أمر خطير وملف دولي ينبغي على الحكومة والخارجية العراقية التحرك لمعرفة خفاياه».