في تطوّر جديد، ستكون له بالتأكيد تداعيات سياسية وقضائية، وربما أيضاً عسكرية، طلب الرئيس ميشال عون من السلطات المختصة اجراء التحقيقات الضرورية اللازمة لتحديد المسؤوليات في القضية التي طاولت القوى المسلحة اللبنانية، وذلك “لكشف الغموض والالتباس القائم منذ ثلاثة أعوام، واحتراماً للحقيقة كقيمة إنسانية مطلقة، واحتراماً لشهادة الشهداء ومعاناة اهليهم”.
ولم يشر الرئيس عون إلى الجهة الصالحة لاجراء التحقيقات المطلوبة، ولا بالاسم الى احداث عرسال في آب 2014، مستخدماً عبارة “القضية التي طاولت القوى المسلحة اللبنانية» في إشارة إلى الجيش وقوى الأمن الداخلي، كما لم يشر إلى المسؤولين عن هذه الأحداث، سواء بالسلطة السياسية التي كانت متمثلة آنذاك بحكومة الرئيس تمام سلام، أو بقيادة الجيش التي كان يتولاها العماد جان قهوجي، ولكن يفهم من عبارات الرئيس عون انه وضع ملف احداث عرسال في «مرتبة القضايا الكبرى”، والتي تستوجب عرض القضية برمتها امام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والذي نصت المادة 80 من الدستور على تشكيله.
وبحسب هذه المادة المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 17/10/1927 وبالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990: “يتألف المجلس الأعلى ومهمته محاكمة الرؤساء والوزراء من سبعة نواب ينتخبهم مجلس النواب وثمانية من أعلى القضاة اللبنانيين رتبة حسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار القدمية إذا تساوت درجاتهم ويجتمعون تحت رئاسة أرفع هؤلاء القضاة رتبة وتصدر قرارات التجريم من المجلس الأعلى بغالبية عشرة أصوات. وتحدد أصول المحاكمات لديه بموجب قانون خاص”.
ولأن احداث عرسال 2014 حصلت في ظل الفراغ الرئاسي، فإن الأنظار، أو أصابع الاتهام، يمكن ان تتوجه إلى الحكومة السابقة التي كانت تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة، وهنا من صلاحيات المجلس الأعلى محاكمة رئيس الحكومة والوزراء أيضاً، وفي هذا الإطار، تنص المادة 70 من الدستور على ان لمجلس النواب ان يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم، ولا يجوز ان يصدر قرار الاتهام الا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس. ويحاكم رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المتهم امام المجلس الأعلى كما جاء حرفياً في المادة 71 من الدستور، وعندئذ تكف يد رئيس الحكومة أو الوزير عن العمل فور صدور قرار الاتهام بحقه، وإذا استقال لا تكون استقالته سبباً لعدم إقامة الدعوى عليه أو لوقف المعاملات القضائية بحقه.
ويفترض هنا، تبعاً لمترتبات مسار هذه القضية التي فتحها الرئيس عون، ان يدعو رئيس مجلس النواب نبيه برّي أعضاء المجلس الأعلى، الذين سبق انتخابهم للاجتماع لتحديد الأصول الواجب اتباعها بحسب الدستور، حيث ستكون أولى مهام المجلس تشكيل لجنة تحقيق برلمانية كمقدمة ضرورية لعرض الملف لاحقاً امام المجلس.
وكان سبق للمجلس ان انتخب في العام 2010 النواب: سيبوه قالبكيان، إبراهيم كنعان، نقولا فتوش، سمير الجسر، غازي زعيتر، هادي حبيش، ونقولا غصن اصيلين، فيما انتخب كل من النواب: نوار الساحلي، مروان حمادة ونايلة تويني أعضاء رديفين.
تجدر الإشارة إلى ان المكتب الإعلامي لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، نفى أمس، ما نقل عن الوزير لجهة عدم تحميل الرئيس ميشال سليمان والرئيس تمام سلام ووزير الدفاع السابق سمير مقبل وقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي مسؤولية المرحلة السابقة، مشيراً إلى مطالبة التيار بعدم مهاجمتهم إعلامياً ليس أعفاء لأي منهم من المسؤولية في المواقع التي كانوا يحتلونها.
غير ان مصادر مطلعة، حاولت التخفيف من وطأة دعوة الرئيس عون وقالت لـ«اللواء» انه اذا كان التحقيق حول أحداث عرسال يتعلق بالقوى المسلحة فإن ذلك يقع من ضمن مهمة النيابة العامة العسكرية سواء مباشرة أو من خلال الشرطة العسكرية ، أما إذا كان الأمر يتعلق بالشق السياسي المسلكي فذاك يعني أن الأمر منوط بوحدات وزارة الدفاع التي إما أن تطلب من المفتشية العامة أو تكلف فريق عمل من الضباط.
وأكدت المصادر انه اذا كانت هناك من دعاوى قضائية في ما خص القوى المسلحة فإن الأمر من مهمة المحكمة العسكرية. أما في حال المسؤولية المدنية فإن الوضع يكون مختلفاً، مشيرة إلى أنه في المبدأ الدعوة وجهت لإجراء التحقيق بهدف جلاء الأمور.
واشارت صحيفة «اللواء» ان وزير العدل سليم جريصاتي، معني مباشرة بالتكليف الرئاسي لإجراء التحقيق حول احداث عرسال، وانه بصدد تحريك الملف بعد إعلان نتائج فحوصات DNA لرفات العسكريين.
وأشارت المصادر إلى ان توسيع «بيكار» القضية لنصل إلى تأليف لجنة تحقيق برلمانية، غير وارد أقله بالنسبة للرئيس برّي الذي كان موقفه واضحاً في احتفال حركة «أمل» بذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، وكذلك الأمر بالنسبة لاحالة الدعوى امام المجلس العدلي، وبالتالي فإن التحقيقات التي طلبها الرئيس عون ستبقى محصورة ضمن صلاحيات وزارة العدل.