كتب فؤاد أبو زيد في صحيفة “الديار”:
بعدما شارفت الحرب في سوريا والعراق على الوصول الى نهايتها، بفضل الدعم العسكري الكبير الذي قدمتّه روسيا لسوريا، والولايات المتحدة الاميركية للعراق وسوريا، واصبح ممكناً الحديث عن تعديلات جذرية دستورية وجغرافية في سوريا والعراق وربما في دول اخرى، وبالتالي لم تعد لعنصر القوة، في هذين البلدين، الكلمة الفصل،
وبعدما اظهر الجيش اللبناني وجهاً جديداً مخالفاً لما كان يقال عنه، قبل معارك الجرود، بأنه غير قادر وغير مهيأ على خوض المعارك الكبرى، بل يصلح اكثر لحفظ الامن الداخلي،
وبعدما التفّ الشعب اللبناني بأكثريته الساحقة، حول جيشه الوطني، المقدّر عربياً ودولياً، وحاز شهادات عديدة اشادت بقدرته وكفاءته العسكرية وشجاعته وحسن استعماله للاسلحة التي يمسك بها، وكان له نصيب كبير من الاشادة من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله،
وبعد الاشادة غير المسبوقة التي اغدقها السيد نصرالله على رئيس الجمهورية للموقف السياسي الاستراتيجي الذي وقفه في محطات حرب الجرود، مطمئناً الى وجوده على رأس الهرم في الدولة اللبنانية،
وبعد تأكيده على دور الدولة في ادارة شؤون البلاد والعباد، وان لا احد على الاطلاق يمكن ان يحلّ محل الدولة، ودعا المسؤولين الى وضع خطة متكاملة لتحرير ما تبقى من ارض تحتلها اسرائيل،
وبعدما اثبت رئيس الحكومة سعد الحريري انه رجل يمكن الوثوق بمواقفه اذا كان وراءها تحقيق المصلحة الوطنية، وهناك شبه اجماع على ذلك، خصوصاً بعد تصريحه لاحدى محطات التلفزة في باريس، بأنه يريد المحكمة الدولية لمعرفة الحقيقة وليس بقصد الانتقام،
بعد كل هذا، يطرح اللبنانيون السؤال الكبير، اذا كان حزب الله، بعد هذه الايجابيات والاشارات المطمئنة له ولجمهوره وناسه والمؤمنين به، لا يتقدم خطوة باتجاه اندماجه بدولة يرتاح اليها، فمتى اذن يقدم على هذه الخطوة التي من شأنها وحدها ان تزيل الانقسام العمودي الكبير من المجتمع اللبناني المستمر منذ العام 1990 سيّما ان العالم كلّه على شفير «سقطة» واحدة ليتحوّل الى محرقة، تلتهم البشر والشجر والحجر، بسبب الغليان القائم بين رئيس دولة الولايات المتحدة الاميركية، دونالد ترامب وكل من دول روسيا وكوريا الشمالية، وفنزويلا وباكستان والعديد من الدول الاخرى، اضافة طبعاً الى مخاطر الدين العام المتنامي سنة بعد سنة، والوضع الاجتماعي المتردّي، والاقتصاد المتعثر، والادارة الهرمة المهترئة، ما قد يطيح قوة الليرة اللبنانية التي يحاول حاكم مصرف لبنان ان يحميها من الانهيار.
ان لبنان المعلّق على صليب العذاب والحروب منذ عقود، يستحق استراحة المحارب، والقادر حالياً على تأمينها، هو حزب الله، لانه القوة العسكرية الوحيدة خارج الدولة التي لها شأن وتأثير في تغيير الواقع، بخلاف ذلك، لا يمكن للبنان ان ينهض من كبوته وانحداره عن طريق الديموقراطية، واي حلّ مختلف سيكون كارثياً على لبنان واللبنانيين بجميع طوائفه ومذاهبه، واحزابه، وعندئذ لا يعود ينفع الندم.