كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
يُنتظر أن تدخل البلاد في قابل الاسابيع والاشهر المقبلة في حالة تشبه “الستاتيكو”، ستستمر حتى موعد الانتخابات النيابية في أيار 2018، إذ لن تخرج اهتمامات الافرقاء السياسيين عن القضايا الداخلية المطروحة، الخلافيّ منها وغير الخلافي، وكذلك عن الانتخابات وحملاتها ومتطلباتها، من تحالفات ولوائح.بعد ايام يُقفل ملف الحدود اللبنانية ـ السورية بعدما تحرّرت من “داعش” و”جبهة النصرة”، لينصبّ الاهتمام، وهو بدأ الانصباب، على تنظيف الساحة الداخلية من اي رواسب لهذين التنظيمين يمكن ان تشكل خطراً على الامن الداخلي، بحيث إنّ القوى العسكرية والأجهزة الأمنية ستركّز اهتمامها على كل بؤر التوتر، والأماكن التي يظَنّ بوجود خلايا ارهابية فيها أو تشكل بيئة حاضنة لأيّ من هذه الخلايا، وفي الموازاة سيعمل كثير من القوى السياسية على الاستثمار السياسي في عملية تحرير الجرود وما رافَقها في الاستحقاق النيابي المقبل بغية تعزيز رصيده الانتخابي ليتمكّن من الفوز بما يطمح اليه من مقاعد نيابية، وذلك في ظلّ قانون الانتخاب الجديد الذي يتهيّبه كثيرون كونه يعتمد النظامَ النسبي للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية اللبنانية، وقد لا يمكن أيّ فريق سياسي من الفوز بالأكثرية النيابية التي تمكّنه من القبض على السلطة التي ستتكوّن في ضوء الاحجام والاوزان التمثيلية التي ستفرزها صناديق الاقتراع.
ولذلك، يؤكد قطب نيابي، أنّ المواقف التصعيدية ضد “حزب الله” وحلفائه والتي يتّخذها هذا الفريق او ذاك على خلفية عملية تحرير الجرود وما رافقها من صفقات تبادُل وترحيل بين “حزب الله” وكل من “داعش” و”جبهة النصرة”، إنما تنطوي على غايات انتخابية، إذ عندما فوتحَ بعضُ اصحاب هذه المواقف بالمضاعفات التي يمكن ان تثيرَها حملاتهم على “الحزب” وما يمكن ان تستدرجَه من ردود فعل في المقابل وما يمكن ان تتركه سلباً على مستقبل الوحدة الوطنية والاستقرار العام بعدما تخلّص لبنان من خطر الارهاب الذي كان يتهدّده على حدوده، كان ردّ هؤلاء بدعوة مفاتيحهم الى تفهّمِ مواقفهم لأنّها تشكّل متنفّساً انتخابياً لهم يعينهم في حملاتهم ومعاركهم الانتخابية في مواجهة خصومهم.
فالانتخابات، يقول القطب النياتبي، ستجري في موعدها، خلافاً لِما بدأ البعض يبديه من مخاوف، مضيفاً أنّ اياً من الأفرقاء السياسيين لا يستطيع تعطيلَ الانتخابات أو أن يتحمّل مضاعفات عدم حصولها والذهاب مجدّداً الى تمديد جديد للمجلس النيابي. فصحيح انّ قانون الانتخاب الجديد يقلِق كثيرين من السياسيين، لكن في النهاية فإنّ العملية الانتخابية التي ستُجرى بموجبه ستعطي لكلّ ذي وزن وزنَه وتؤسس لاعتماد النظام النسبي مستقبلاً وفق أصوله المعتمدة والمعروفة في كثير من الدول.
على انّه في ظل الستاتيكو الداخلي فإنّ الاهتمام لن يغيب عن مشهد الاقليم وما يَشهده من تطوّرات متسارعة عسكرياً وديبلوماسياً، بما يشير إلى أنّ سنة 2018 ستكون موعد البدء بإنجاز حلول سياسية لمجمل الازمات الاقليمية بدءاً من سوريا مروراً بالعراق والبحرين وصولاً إلى اليمن.
فالمساعي الناشطة بعيداً عن الاضواء بغية إنهاءِ الازمة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية يُنتظر ان تتبلور معها بعض النتائج الملموسة في وقت ليس ببعيد، ما سيؤسّس لحلول ليست ببعيدة للأزمات الاقليمية، وخصوصاً للأزمتين السوريّة واليمنية، وذلك على وقعِ إندفاع كلّ من طهران والرياض الى معالجة مشكلاتهما وقضاياهما الداخلية والاقليمية، وتتّجه الانظار هنا الى الزيارتين الديبلوماسيتين المتبادلتين اللتين ستشهدهما قريباً كلّ من الرياض وطهران ولو انّهما تجريان تحت عنوان “تفقّد المقار الديبلوماسية”، إذ إنّ هاتين الزيارتين يُبنى عليهما كثيراً إذ يرجّح البعض ان تكونا توطئة لعودة العلاقات الديبلوماسية الى طبيعتها بين البلدين.
ولكنّ مصدراً ديبلوماسياً عربياً يقول في هذا السياق “إنّ المملكة العربية السعودية ليست الآن في وارد تطبيع العلاقات مع الجمهورية الاسلامية الايرانية ما لم تُغيّر سياساتها العدائية ودعم الجماعات والميليشيات المتطرّفة”، ويعتبر “انّ ما يحصل من حين الى آخر بين الرياض وطهران حول مواضيع الحجّ والمقار الديبلوماسية في البلدين أمورٌ تعالَج بمعزل عن موضوع تطبيع العلاقات، فمتى بدّلت ايران سياساتها العدائية في المنطقة فستجد كلّ الترحيب لدى المملكة بإقامة افضل العلاقات معها”.
إلّا أنّ مجرّد الحديث عن مساع للتقريب بين الرياض وطهران يعني، في رأي مطلعين، أنّ الحلول للأزمات الاقليمية وخصوصاً للازمتين السورية واليمنية لم تعُد بعيدة، وذلك في ضوء اندفاع كل من طهران والرياض إلى معالجة مشكلاتهما وقضاياهما الداخلية والاقليمية، فالرياض، الى إنشغالها في مشروع “السعودية 2030″على المستوى الداخلي، فإنها منشغلة ايضاً في معالجة الازمة السائدة بينها وبين قطر، فضلاً عن انشغالها بالازمة اليمنية.
امّا طهران في المقابل فإنها ما تزال منشغلة داخلياً في تدعيم اوضاعها الداخلية والاقتصادية على كلّ المستويات، وذلك منذ توقيع الاتفاق النووي بينها وبين الدول الست ورفعِ العقوبات عنها، فضلاً عن انشغالها بالتهديد الاميركي بإلغاء هذا الاتفاق وتحسّبِها من عدم رفعِ عقوبات وفرضِ عقوبات جديدة يُلوّح بها الاميركيون والغربيون من حين الى آخر، كذلك فإنها منشغلة في الأزمات الاقليمية المتداخلة فيها، وهي ازمات تتواجه من خلالها مع الرياض والعكس بالعكس.
ولذلك فإنّ المطلعين على ما يدور في الكواليس وعبر الأقنية المختلفة للتقريب بين الرياض وطهران، يؤكّدون مدى حيوية حصول هذا التقارب السعودي ـ الايراني بالنسبة الى معالجة ازمات المنطقة، والبعض يتوقع تطوّرات مهمة في هذا الاتجاه خلال الاسابيع والاشهر المتبقية من السنة الجارية، بحيث إنّ هذا التقارب اذا حصل سيؤسس لأن تكونَ سنة 2018 موعداً لبداية خروج المنطقة من أزماتها.
وما يُنتظر حصوله في قابل الايام، هو إنهاء “داعش” في دير الزور وصيرورة المدينة في قبضة النظام، ليُترَك بعدها مصيرُ إدلب لكلّ من الولايات المتحدة الاميركية وروسيا وتركيا وايران، في الوقت الذي يكون الجيش العراقي قد أنهى الوجود الداعشي في ما تبقّى من مدن ومناطق عراقية.