Site icon IMLebanon

على الحكومة اعلان رفض دمج النازحين رسمياً

 

كتبت دوللي بشعلاني  في صحيفة “الديار”:

بعد تحرير الجرود اللبنانية من التنظيمات الإرهابية ينتقل لبنان الى مرحلة جديدة من التطهير لا سيما مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين. وستترافق هذه العملية، بحسب أوساط ديبلوماسية عليمة، مع مرحلة بدء عودة النازحين الى بلادهم من دون التفاوض مع الحكومة السورية أو إشراف الأمم المتحدة على هذه العودة. فالنازحون عندما هربوا الى لبنان من المعارك الدائرة في سوريا لم يسألوا لا الحكومة ولا الأمم المتحدة عن الدول التي سيفرّون اليها وأوّلها لبنان، ولهذا يُمكن لقسم كبير منهم العودة اليوم من لبنان الى بلادهم من دون الرجوع لأحد.

فكما تحقّق النزوح من دون استشارة أحد، بإمكان عدد كبير من النازحين السوريين العودة اليوم الى مناطقهم لا سيما بعد أن استتبّ فيها الأمن والإستقرار من دون انتظار التفاوض مع الحكومة السورية أو قرارات الأمم المتحدة في هذا السياق. وذكّرت بالعودة التي تحقّقت خلال حرب تموز-آب 2006 لآلاف الجنوبيين وأبناء الضاحية الجنوبية لبيروت من بعض المناطق السورية التي لجأوا اليها، بعد أن أعلنت الأمم المتحدة القرار 1701 الذي نصّ على «وقف الأعمال العدائية بين «حزب الله» والعدو الإسرائيلي، وعندما دعا الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله اللبنانيين للعودة. فكانت العودة الفورية متزامنة مع وقف إطلاق النار، وقد شهدت طريق الشام- بيروت وقتذاك ازدحاماً ملحوظاً وتمّت هذه العودة خلال يوم واحد.

ثمّة مناطق عدّة أصبحت آمنة ومستقرّة في سوريا اليوم تبلغ مساحتها أضعاف مساحة لبنان بكثير، فـ «حزب الله» تمكّن خلال الشهر الأخير، من تحرير 30 ألف كيلومتر مربع من البادية السورية وبعض قراها، أي ثلاثة أضعاف لبنان، على ما أفادت المعلومات، الأمر الذي يُسهّل عودة النازحين الذين فرّوا منها اليها، لا سيما وأنّ شروط العودة، على ما شدّدت الاوساط، لا علاقة لها بالتفاوض مع الحكومة السورية أو بالقرارات الدولية.

فالنازح الذي يعلم أنّ منطقته قد تحرّرت من الإرهابيين، عليه العودة من تلقاء بنفسه الى بيته وأرضه ليستكمل فيها حياته من دون انتظار أي ضمانات أو وعود داخلية ودولية قد تتحقّق أو لا، ومن دون وضع الشروط أو انتظار ظروف العودة، خصوصاً إذا ما كان من الذين لا ينتظرون العيش فقط على مساعدات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وثمّة قسم آخر من النازحين قد يكون وضعهم أصعب، إذا كانوا من إدلب والرقّة وغيرها من المناطق التي لم تعرف الهدوء بعد، أو أنّهم من الذين حملوا السلاح في وجه الجيش السوري، وينتظرون تسوية أوضاعهم. ولهذا فإنّ العودة يُمكن أن تبدأ الآن من دون أي تفاوض، وأن تتحقّق على مراحل، علماً أنّ بعض أقسامها قد يتطلّب لاحقاً مفاوضات أو إتفاقات وما شابه.

المهم، بحسب رأي الأوساط، أن يكون هناك قرار سياسي موحّد بضرورة تحقيق العودة، والسعي الجدّي لإعادة النازحين، وفق الأوضاع الخاصة لكلّ منهم. فالتسوية السياسية التي حصلت وأنتجت رئيساً قوياً للجمهورية وحكومة مصلحة وطنية ووضع قانون إنتخاب جديد على أن تُجرى الإنتخابات النيابية في أيّار المقبل، يجب أن تُستكمل في حلّ الملفات التي تُشكّل عبئاً كبيراً على كاهل الحكومة واللبنانيين، وأولّها ملف النازحين السوريين.

كذلك فإنّ دحر التنظيمات الإرهابية من الجرود والحدود اللبنانية- السورية، ومنع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية قافلة مقاتلي تنظيم «داعش» الذين انسحبوا وأسرهم من جرود رأس بعلبك والقاع بموجب إتفاقية هدنة، الى شرق سوريا سوف يُسهّلان العودة أمام قسم كبير من النازحين السوريين الى المناطق التي أصبحت خالية من الوجود الإرهابي. وكشفت الاوساط بأنّ الحلّ السياسي للأزمة السورية بات قريباً جدّاً خصوصاً مع بدء أفول وجود «داعش» و«جبهة النصرة» والتنظيمات الإرهابية الأخرى من المنطقة، وزوال خطرها بشكل نهائي، من وجهة نظر الموفدين الدوليين.

ويستطيع الجيشان اللبناني والسوري التنسيق فيما بينهما لإعادة النازحين السوريين «المسالمين» أي الذين لم يحملوا السلاح مع أي جهة، في خطوة أولى، على ما أكّدت الأوساط نفسها، الى المناطق الآمنة في بلادهم. وأوضحت أنّ مثل هذا التنسيق بين الجيشين متاح اليوم خصوصاً وأنّ العلاقات السياسية بين البلدين مجمّدة، ومقطوعة على الصعيد الحكومي الرسمي. ورأينا بأنّه حصل أخيراً في معركة «فجر الجرود» التي ترافقت مع معركة المقاومة «وإن عدتم عدنا» من الجانب السوري.

ولأنّ مسألة دمج السوريين في المجتمع اللبناني أمر مستحيل، على ما يلحظ النازحون السوريون أنفسهم قبل اللبنانيين، فإنّ ما تريد الأمم المتحدة تحقيقه في هذا الإطار وتسعى اليه خلال السنوات الأخيرة، يرفضه لبنان حكومة وجيشاً وشعباً. فهذا الدمج لأكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري يرفضه اللبنانيون كافة كونه يُشكّل خطراً كبيراً على النسيج الإجتماعي اللبناني، الأمر الذي يتطلّب إجماعاً فعلياً وطنياً على منع هذا الإندماج، وإعلانه بشكل رسمي من قبل الحكومة. على ضرورة أن يترافق هذا الإعلان مع مشاركة وفد لبنان الذي يترأسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الجمعية العامة للأمم المتحدة في المنتصف الثاني من شهر أيلول الحالي.

فالحكومة اللبنانية التي لم تتفق حول إجراء المفاوضات مع الجانب السوري لحلّ أزمة النازحين السوريين رغم إصرار فريق 8 آذار على ذلك، عليها اتخاذ كلّ القرارات التي تمنع «الدمج» أو «التوطين» أو منح الجنسية لهؤلاء بأي وسيلة كانت. فموضوع العودة سوف يُطرح أمام المجتمع الدولي في كلمة الرئيس عون في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على ما شدّدت الأوساط نفسها، ولا يُمكن للحكومة مجتمعة إلاّ أن تواكب موقف الرئيس وتوافق عليها، لا سيما إذا ما كان لديها النيّة الفعلية لإعادة النازحين الى بلادهم، وذلك لكي تبقى وتستمرّ من دون أن تهزّها المواضيع الخلافية.

فالجميع يعلم أنّ الأطراف السياسية كافة تؤيّد عودة النازحين الى بلادهم فيما الإنقسام يتمحور حول التفاوض مع الحكومة السورية، وتحقيق العودة تحت إشراف الأمم المتحدة في ظلّ الجمود الذي يعتري العلاقات السياسية بين البلدين. ولكن على الحكومة اللبنانية الإعلان الرسمي عن ذلك، وإلاّ فإنّ التشكيك في موقفها، من قبل بعض الأفرقاء، سيبقى قائماً في ظلّ عدم البدء بتنفيذ أي خطوة لتسهيل عودة النازحين.