كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
تتّجه التطوّرات الداخلية بعد مرحلة إخراج «داعش» من منطقة الحدود اللبنانية مع سوريا نحو اعتزام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بحسب معلومات لـ«الجمهورية»، فتحَ ملفِّ إعادةِ النازحين السوريين في لبنان إلى بلدهم قريباً جداً، وذلك انطلاقاً من تصميم قويّ لديه على التحرّك العملي الآن للبدء بخطوات عملية للتقدّم بهذا الملف، وعدم مسايرة الفكرة التي تقول إنه يجب على لبنان انتظار نضوج الظرف الدولي في شأنه أو انتظار موافقة الأمم المتّحدة على لعبِ دور وسيط بين دمشق وبيروت للشروع في تنفيذ خطوات إعادة النازحين السوريين في لبنان إلى بلدهم.ويفيد سياق هذه المعلومات نفسه أنّ مِن بين السيناريوهات المتداولة في قصر بعبدا، هو إمكانية تشكيل «أداة» أو «قناة « أو «لجنة» لبنانية تتمثّل فيها عدة مستويات من الدولة اللبنانية ذات الصلة بهذا الملف، سواء من ناحيته السياسية والقانونية والأمنية، على أن تكون مهمّتها التواصل مع الدولة السورية، بغية توَلّي التنسيق معها بغرضٍ محدّد وهو وضعُ خريطةِ عملٍ للبدء بإعادة النازحين السوريين في لبنان إلى بلداتهم ومدنهم، وذلك ضمن معيار العودة الآمنة.
على أن تتمّ هذه العملية بغطاء سياسي من رئيس الجمهورية إذا تعذّرَ توفير الغطاء الحكومي، خصوصاً أنّ العلاقات اللبنانية ـ السورية ضمن المستوى الأمني والتبادل الديبلوماسي قائمة، ما يمكّن من إضافة ملفّ إجراء تنسيق لبناني ـ سوري على مستوى هدف إعادة النازحين، إلى منظومة ما هو قائم من علاقات بين البلدين يُحتّمها تأمينُ المصالح اللبنانية العليا والملِحّة.
ويؤكّد مطّلعون على تفكير عون حيال هذا الملف، أنه يعطيه منزلة المصلحة العليا الوطنية، وأنّ عزمه لحسمِه الآن وفي أسرع وقتٍ ممكن غيرُ قابل للعودة عنه، وأنه لن يساير أيّ مماطلةٍ أو تسويف انتظاري بسبب الاعتبارات الدولية أو الإقليمية، نظراً إلى ما بات يمثّله هذا الملف، من وجهة نظره، مِن خطرٍ كبير على لبنان، ما يوجب الإسراع في معالجته وفق أسلوب يحقّق المصلحة اللبنانية العليا، وضمن توقيتٍ لبناني يَعتقد عون أنّه أصبح ناضجاً بعد معركة الجرود وفي ظلّ ما تشهده الأزمة السورية من انعطافات دولية وإقليمية وميدانية جديدة.
وليس خافياً أنّ ملفّ عودة النازحين السوريين يوجد حياله موقفٌ آخر داخل الحكومة اللبنانية، يدعو إلى تنسيق هذا الملف مع الأمم المتّحدة، نظراً للاعتبارات السياسية الحسّاسة المرتبطة به، خصوصاً لجهة أنّ أيّ محاولة لإعادة النازحين من خلال التنسيق المباشر مع الدولة السورية، ستثير اعتراضاتٍ إقليمية ودولية، لأنه سيُعتبَر موقفاً سياسياً لمصلحة النظام الذي لا يزال هناك تبايُن دولي وداخلي لبناني حول قضية تطبيع العلاقات الكاملة معه.
أضِفْ أنّ ملف عودة النازحين تحكمه قرارات من الأمم المتّحدة تُحدّد معيارَي العودة الآمنة والطوعية شرطين حقوقيَين لإنشاء أيّ عملية جماعية لهم، ولذا فإنّ أيّ مسار لإعادتهم من خارج التنسيق مع الأمم المتحدة سيُرتّب على لبنان مساءلةً دولية في حال واجَه هؤلاء العائدون مشكلاتٍ على مستوى تعرّضِ أمنِهم في سوريا لأيّ شوائب.
كما أنّ ملف عودة النازحين يحتاج الى تمويلٍ كبير، وعليه، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال، هو هل يستطيع لبنان تحمُّل هذه الكلفة، وفي حال الإجابة المتوقّعة بالنفي، فإنّ السؤال الاستتباعي هو عن الجهة المستعدّة لتمويل ملفّ عودتهم في حال جرى سياقه بالتنسيق المباشر اللبناني ـ السوري ومن خارج الأمم المتحدة أو من دون موافقتها على التوقيت.
ويتوحّد وراء هذه الأطروحة التي تُحذّر من مغبّةِ السير في مسار إعادة النازحين السوريين عبر التنسيق المنفرد والمباشر مع الدولة السورية، وبنحو لا يراعي توقيتَ القرار الدولي، قسمٌ كبير من القوى السياسية اللبنانية، وفي مقدّمِهم رئيس الحكومة سعد الحريري الذي طرَح في المنتديات الدولية وجهة نظرٍ اقتصادية شاملة لمعالجة وجود النازحين السوريين في لبنان حتى وقتِ عودتهم، تقترح «إغاثتَهم من ضمنِ تقديم دعمٍ بنيوي دولي للاقتصاد اللبناني».
وآخِر مناسبة طرِحت فيها هذه الفكرة كانت في نيسان الماضي لدى «اجتماع بروكسل مع المؤسسات الماليّة الاوروبية»، حيث قدّم ممثّل الحريري في هذا الاجتماع ورقةً عرَضت لصعوبات ظروف لبنان الاقتصادية الناتجة من عوامل داخلية وخارجية، ولفتَت الى محورية موقع الأزمة السورية ونتائجها، كمسبّبةٍ رئيسة لهذه الصعوبات، ذلك «أنّ لبنان يستضيف أكبرَ مقدار من النازحين قياساً على عدد السكّان في العالم، بالإضافة الى التراجع الذي أصابَ النموَّ الاقتصادي فيه مع بدء الأزمة السورية، حيث وصَل الى أقلّ من 1 في المئة، ما أدّى الى ارتفاع نسبة البطالة، والمنافسة على الوظائف والتوتّر الاجتماعي (…) إضافةً إلى تراجُع الاستقرار وارتفاع الإنفاق الضروري في القطاعات الأمنية».
وحدّدت الورقة مقاربة الحكومة الحالية للحلّ، وتتمثّل بدعمٍ دوليّ لخطة نهوضٍ يلعب فيها «القطاع العام الدور الرياديّ في تعزيز فرصِ النموّ في لبنان (…) ورَفعه إلى 6 في المئة، ما سيتيح زيادةً في الوظائف للّبنانيين والنازحين، حيث تسمح الأنظمة اللبنانية بذلك، ما يؤدّي إلى تخفيف التوتّرات بين النازحين والمجتمعات اللبنانية المضيفة لهم».
وتنطلق ورقة الحكومة اللبنانية من فذلكةٍ سياسية واقتصادية تعتبر أنّ وجود النازحين يمكن تحويله فرصةً للحصول على دعمٍ دولي كبير للاقتصاد اللبناني، طالما إنّ القرار الدولي لإعادتهم مؤجَّل، وطالما إنّ تنفيذ عودتهم من خارج مسار دولي تترتّب عليه أخطار.
وفي مقابل وجهة نظر الحكومة اللبنانية هذه، أو أقلّه وجهة نظر جزء أساسي منها، فإنّ البيئة السياسية اللصيقة بعون، عكسَت منذ البداية نظرته المغايرة للطريقة التي يجب أن يتعاطى بها لبنان في المحافل الدولية مع طروحات الدول المانحة لدعمه على تحمُّلِ استضافة النازحين السوريين.
ويَميل هذا الطرح الاقتراح إلى أن توجّه الدول المانحة صرفَ الأموالِ التي ستقدّمها للنازحين في لبنان، إلى عملية إعادتهم الى سوريا، وترتيب حاجاتهم هناك. وهذه النظرية تنطلق من اعتبار أنّ النازحين يشكّلون خطراً راهناً وليس فقط مستقبليّاً على لبنان، وثمّة وقائع كثيرة تدلّ الى هذا الأمر، وأنّه بالتالي لا يمكن النومُ على وسادةِ وعودِ المجتمع الدولي بتحمّلِ أعباءِ استضافة لبنان لهم، لا ماليّاً ولا سياسياً ولا أمنياً، ولا على المدى القريب أو البعيد.
ويفيد الانطباع المسرّب من أجواء ذات صلة برئيس الجمهورية أنّه مصمّم على فتحِ معركة إعادة النازحين الآن وبتوقيت لبناني وسياديّ وبخطّة تراعي مصالحَ لبنان العليا، وذلك على نحو سيكرّر فيه ما فعَله خلال اتّخاذِ القرار بخوضِ معركة إخراج «داعش» من جرود لبنان، حيث تجاوَز اعتبارات دولية وإقليمية سعَت إلى تأجيل فتحِها، في انتظار نضوج مصالح التوقيت الدولي.