كتب ميشال نصر في صحيفة “الديار”:
في زمن المفاجآت الممتدة من طهران الى بيانغيونغ، تحتل حارة حريك موقعها الاساسي على الخارطة بعدما تحولت اي خطوة تتخذها الى مادة سجالية في الداخل والخارج، ينتظر ان تتسع رقعتها مع انتهاء عطلة العيد وعودة الحياة الى الملفات الخلافية وفي مقدمتها ملف ترحيل «الدواعش»، وما يحكى عن امكانية طرحه من خارج جدول اعمال الجلسة المقبلة للحكومة.
مصادر سياسية مواكبة لا تنفي العتب الاميركي على الجانب اللبناني، الذي وافق وامن التغطية برئاساته الثلاث للصفقة التي عقدت والتي لم تراع مصالح الحلف الدولي من جهة والاتفاق الروسي- الاميركي الحاكم حاليا للميدان السوري، من جهة ثانية، معتبرة ان حزب الله تعامل بحنكة وذكاء جارا الموقف الرسمي اللبناني الى حيث يريد اذ لم يبرم الاتفاق الا بعد حصوله على الغطاء السياسي الرئاسي، وهو ما اقر به رئيس الحكومة سعد الحريري من باريس امام المستفهمين،وترجم ارباكا في مواقف المعترضين في بيروت، متابعة الى انه بحكم الاكيد وجود تنسيق فرضته ظروف الامر الواقع الميدانية بين محوري التحالف الدولي ومحور الممانعة بغطاء روسي، على شاكلة التعاون الذي قام بين الجيش اللبناني والجيش السوري وحزب الله خلال معركة تحرير الجرود، معتبرة ان ما يحصل اليوم هو خلاف تكتي نتيجة حسابات ميدانية متضاربة بين «التحالف» والمحور، كاشفة عن نجاح 100 مسلح من الدخول عبر 12 سيارة رباعية الدفع الى الريف الغربي لدير الزور بعد عبــورهم منطقتي حميمة والسخنة بموافقة سورية.
وفي معرض ردها على الكلام عن محاولات اميركية لمنع الجيش عن تنفيذ عملية «فجر الجرود» كشفت معلومات دبلوماسية ان واشنطن ابلغت اليرزة بما لا يقبل اي لبس دعمها لاي عمل عسكري للقضاء على بؤرة «داعش» الارهابية، وهي قرنت قولها بالفعل بارسالها الاسلحة والذخائر الضرورية لانجاز تلك المعركة بنجاح، مشيرة الى ان خيار التوقيت ترك لقيادة الجيش، كاشفة ان رسائل غير مباشرة واضحة وصلت الى دمشق وحلفائها عبر طرف ثالث محذرة من اي محاولة لفرض ساعة الصفر على لبنان، متابعة بان العتب الاميركي هو على المستوى السياسي اللبناني الذي غطى اتفاق حزب الله وليس على القيادة العسكرية التي كانت حددت ساعة الصفر لانجاز المرحلة الرابعة والاخيرة من معركة تحرير الجرود.
اوساط مقربة من حارة حريك وضعت الضجة المسارة حول بيان حزب الله في سياق محاولات التخفيف من النصر المحقق وعدم رغبة من قبل بعض الجهات التي تورطت طوال السنوات الثلاث الماضية بتغطية الارهابيين، في محاولة لزرع الشقاق بين الجيش وحزب الله من جهة وتأليب الراي العام على الرباعية الماسية التي تحدث عنها امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، ودعت الاوســاط الى عدم الاخذ بالحملات التي باتت مكشـــوفة، فلا صــفقات ابرمت من تحت الطاولة ولا مؤامرات حــيكت، اذ ان كل ما حصل لا يخرج عن اطار استــراتيجية اعتمدت منذ اكثر من سنة في اكثر من منطقة سورية تقوم على اعتماد سلاح المصالحات حقنا للدماء وتحقيقا للاهداف باقل كلفة بشرية ممكنة وهو ما حصل بالتحديد في الاتفاق الذي رعى خروج النصرة من لبنان.
وحول ما يثار في موضوع بيان الحزب الصادر حول منع التحالف الدولي لقافلة مسلحي «داعش» وعائلاتهم من الوصول الى وجهتها النهائية اي مدينة البوكمال، اكدت الاوساط ان موقف الحزب ينبع من اسباب مبدئية، اولها، «قداسة» الاتفاقات التي يعقدها والتزامه الكامل بها وهو ما ميزه طوال سنين عمله لجهة الوفاء بكل التزاماته ايا كانت الظروف،ثانيها،ان هدف الاتفاق كان منذ البداية اعادة اسير الحزب احمد معتوق لان الحزب لا يترك رجاله اسرى كانوا ام احياء، وهو ما لن يحصل قبل اتمام المرحلة الاخيرة من الاتفاق، وثالثها، التزام الحزب بالمواثيق الدولية الانسانية من منطلق انساني وديني، وبالتالي اعتماده معيارا واحدا، فكما اوقف هجومه العسكري ضد «النصرة» بعدما حوصرت في مربع يضم عددا كبيرا من المدنيين، فهو لا يمكنه السكوت عن التعرض لمدنيين من نساء واطفال من منطلق اخلاقي، اما رابعها، فعدم اعطاء اصحاب الصيف والشتاء تحت سقف واحد في مجال حقوق الانسان اي ممسك على الحزب للمطالبة بمحاكمته بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
واشارت الاوساط الى ان هدف «التحالف» الحقيقي ومن خلفه الولايات المتحدة الاميركية، استباق اي اتفاقات قد تحصل في المستقبل لتحرير مناطق سورية من سيطرة «تنظيم الدولة» عبر اظهار عجز الحزب عن الوفاء بالتزامـــاته، من جهة، ورغبة واشــنطن بتوجه المسلحين الى مناطق يعاني فيها من ضعف قوته في مواجهة النظام في اطار التعاون القائم بين الطرفين بعدما بات واضحا ان المشغل الاساسي لـ «داعش» هو الاميركي.
ولكن الى ماذا ستنتهي الامور اليه؟ ايا تكن النتيجة فان الامين العام لحزب الله حسمها في خطاب النصر، ستموتون في سوريا وسننتقم لعسكريينا الشهداء، سواء على يد التحالف الدولي او حزب الله والجيش السوري. وهو ما تجمع عليه المراجع الدبلوماسية التي تؤكد ان بداية نهاية داعش العسكرية قد شارفت على نهايتها، وهو ما يفسر ابرامه لاتفاقات انسحاب من بعض المناطق كما حصل عند الحدود اللبنانية وفي تلعفر، بعدما درج على القتال حتى الموت، في مسعى لحشد قواته في مربعه الاخير استعدادا لخوض معركته النهائية.