كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”:
ما إن رفعت إدارة المناقصات تقريرها عن “دفتر شروط استدراج عروض معامل توليد كهرباء” إلى وزير الطاقة والمياه، وطلبت رفعه بواسطته الى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب في شأنه، حتى انطلقت تسريبات تتهم مدير المناقصات جان علية بـ”الانحياز” و”التبعية” لفريق سياسي يختبئ وراءه من أجل عرقلة استدراج العروض المذكور.
من ضمن هذه التسريبات، محضر يفيد بأن إدارة المناقصات سبق لها أن وافقت في 2012 على دفاتر شروط تلزيم تركيب معامل الذوق والجية ودير عمار، التي تشبه دفتر الشروط الحالي، إلا أن التدقيق في هذا المحضر يبيّن أنه موقّع من المهندسة دلال بركات، بصفتها المديرة العامة لإدارة المناقصات بالإنابة، لا من جان علية، فضلاً عن “أن المواصفات في هذه الصفقة وآليات تقديم العروض وفضّها مختلفة تماماً عن دفتر الشروط الحالي”، بحسب مصادر في الإدارة، من دون أن يعني ذلك أن دفاتر الشروط المذكورة كانت سليمة ومطابقة للقوانين والأنظمة.
يُتهم عليّة أيضاً بأنه يخالف قرار مجلس الوزراء الرقم 52 تاريخ 24/8/2017، باعتبار أن تقريره الرافض لدفتر الشروط يتضمن اعتراضات على شروط قررها مجلس الوزراء مسبقاً، إلا أن عليّة يوضح في بداية تقريره “أنّ قرار مجلس الوزراء يقضي بإحالة دفتر الشروط الى إدارة المناقصات، وفقاً لأحكام قانون المحاسبة العمومية، لإجراء المقتضى، ما يعني أنّ القواعد والأصول والمهل المنصوص عليها في قانون المحاسبة العمومية، ونظام المناقصات الصادر بالمرسوم التنظيمي الرقم 2866/59، واجبة التطبيق بكامل أحكامها. كما أنّ تدقيق إدارة المناقصات في الملف يتناول كل النقاط المحددة، في المادة 17 من نظام المناقصات”.
إلا أن اتهام عليّة بمخالفة قرار مجلس الوزراء دفع وزراء الى الردّ بأن قرار مجلس الوزراء نفسه “مزوّر”، إذ إنه لا يتطابق مع ما اتفق عليه في شأن التعديلات على دفتر الشروط.
توضح وزيرة الدولة للشؤون الإدارية عناية عز الدين لـ”الأخبار“، أن أبرز ما اتفق عليه في مجلس الوزراء هو الآتي:
ــ أن يتضمن دفتر الشروط استجرار طاقة، من دون أن يتم ربط استدراج العروض بتحديد المشتقات النفطية المستعملة في الإنتاج، أي أن تكون تقنيات الإنتاج مفتوحة لكل الخيارات، وأن تدرس العروض المقدمة بما يتلاءم مع الوفر المالي، وألا يربط استدراج العروض بالمعامل العائمة على المياه فقط، أي أنه يمكن أن تكون على مواقع على اليابسة.
ــ أن يتم تمديد مهلة تقديم العروض من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.
ــ أن يحول دفتر الشروط إلى إدارة المناقصات لدرسه وفقاً لأحكام قانون المحاسبة العمومية.
ــ أن يتم الالتزام بالمعايير البيئية السليمة، إذ إنه معروف عالمياً أن الفيول الثقيل هو الأكثر تلويثاً للهواء.
ما توضحه عز الدين سبق أن أدلى به نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني بعد الجلسة مباشرة. يومها قال حاصباني الآتي: «تم الأخذ بعدد كبير من الملاحظات على دفتر الشروط، وسيرسل إلى دائرة المناقصات لإبداء الرأي خلال فترة معينة ليسلك الإجراء المناسب وفق قانون المحاسبة العمومية، وهناك ملاحظات لها علاقة بإتاحة المجال أمام عدّة أنواع من الطاقة وأن تقام على الأرض أو غير الأرض، فلا يكون الأمر محصوراً بالبواخر فحسب… المهم هو تعزيز المنافسة وتأمين الطاقة للمواطنين بأسرع وقت ممكن وبأقل كلفة أيضاً وبطريقة شفافة وفق قانون المحاسبة“.
لم يتضمن محضر مقررات مجلس الوزراء أي بند يتعلق بفتح الخيارات وتوسيع دائرة المنافسة بين العارضين، بل نصّ على الآتي:
– تمديد مهلة تقديم العروض من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.
– على العارض أن يقدم ضمن عرضه، كتاب ضمان بقيمة /50/ مليون دولار عن القسم 1- محطة دير عمار و/50/ مليون دولار عن القسم 2- محطة الزهراني.
– على كل عارض أن يتعهد بإنجاز كل الأشغال كحد أقصى خلال مدة /90/ يوماً للمعمل الأول و/180/ يوماً للمعمل الثاني.
– يمكن للوزارة مصادرة الكفالة في حال تخلف العارض أو امتناعه عن تقديم كتاب الضمان النهائي أو في حال امتناعه عن توقيع العقد.
– يقوم الوزير بإحالة دفتر الشروط المذكور إلى إدارة المناقصات في التفتيش المركزي، متضمناً هذه الملاحظات لبيان الرأي وفقاً لأحكام قانون المحاسبة العمومية، وعلى إدارة المناقصات إبداء رأيها به خلال مدة أقصاها /48/ ساعة.
– يمكن للعارض الذي ترسو عليه الصفقة، في أي مرحلة من مراحل تنفيذ العقد، أن يقدم عرضاً يتضمن المشتقات الهيدروكربونية، على أن يرفع الوزير المختص هذا العرض إلى مجلس الوزراء للتقرير بشأنه.
إذاً، محضر مقررات مجلس الوزراء لا يتضمن ما تم التوافق عليه لجهة فتح الخيارات على صعيد تقنيات الإنتاج ونوع الوقود المستعمل والمعامل القائمة على اليابسة أو العائمة على المياه، وإنما تضمن في البند الأخير إمكانية أن يقدّم العارض بعد فوزه عرضاً يتضمن المشتقات الهيدروكربونية! لماذا قد تقدم أي شركة عرضاً من هذا النوع غير منصوص عليه في دفتر الشروط؟ فالنتيجة الواضحة والأكيدة، أن أي عرض لا يتضمن الفيول أويل والديزل، كما يرد في دفتر الشروط، هو مستبعد حكماً، ما يلغي أي إمكانية وأي رغبة في الاستفادة مما ذكر في محضر مجلس الوزراء.
على أي حال، تقول إدارة المناقصات في خلاصة تقريرها المرفوع الى وزير الطاقة، إن “التدقيق في دفتر الشروط الخاص بالصفقة، ومن خلال تجربة استدراج العروض الملغى، يبيّن وجود مؤشرات جدية توصل الى عارض وحيد، منها على سبيل المثال:
1 – مهل التنفيذ 3 أشهر و6 أشهر،
2 – مهلة تقديم العروض 21 يوماً،
3 – خيار التشغيل HFO/Diesel،
وبما أن دفتر الشروط المعروض لا يستجيب لمبادئ العلنية والمنافسة والمساواة وتكافؤ الفرص (…) ويخالف أحكام قانون المحاسبة العمومية، ولا سيما لناحية مهلة الإعلان وشروط الاشتراك في المناقصة،
وحرصاً على عدم استهلاك الوقت في إجراءات قد لا تسفر عن أي نتيجة إيجابية، ونظراً إلى الحاجة الى تأمين الكهرباء، وفقاً للأصول والقواعد القانونية، بأقرب وقت ممكن، ترى إدارة المناقصات رفع الأمر الى معاليكم لرفعه الى مقام مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب بشأنه”.
هذه الخلاصة، أي رفض الموافقة على دفتر الشروط المذكور، استندت الى 29 ملاحظة أساسية على دفتر الشروط و14 ملاحظة أساسية على مشروع العقد. أبرز هذه الملاحظات:
– الملف غير مرفق بما يثبت توفر الاعتماد للصفقة.
اتفق الوزراء على
تكون تقنيات الإنتاج
مفتوحة لكل الخيارات
– لا يحدد خيار التمويل ولا يدخله في المعادلة، ما يجعل عملية المقارنة مقتصرة على التكلفة.
– قيمة الضمان المؤقت المحددة بـ 50 مليون دولار لكل موقع، تبدو مرتفعة بالنسبة الى القيمة التقديرية المفترضة، ما يحد من المنافسة.
– لا يفسح المجال للتشغيل بواسطة الغاز الطبيعي LPG أو LNG. ولا يوجد أي معادلة للغاز الطبيعي في المستقبل عند توفره، وبالتالي فإن التلزيم الحالي يفترض أن ينتهي مع اللجوء الى هذا الخيار، حيث يصار الى إجراء تلزيم جديد، وفق قواعد ومعدلات وأسعار جديدة.
– إن السماح للعروض على اليابسة فقط ضمن المساحة المقابلة لمعملَي دير عمار والزهراني وعلى مسؤولية الملتزم، مع المهل المحددة بـ 3 و6 أشهر، ومهلة تقديم العروض بـ 21 يوماً، يُلغي عملياً هذا الخيار.
– إنّ تقصير مهلة تقديم العروض الى 21 يوماً، لا يأتلف مع نص المادة 128 من قانون المحاسبة العمومية.
– لا يتضمن الملف “تعهداً من العارض في حال رسو الالتزام عليه باستخدام ما لا يقل عن 60% من مهندسيه ومستخدميه من اللبنانيين، وتسجيلهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”.
– عُرّف المشروع بأنه تسليم مفتاح، ان هذا التعريف يتناقض مع مضمون التلزيم لأن المعدات والتجهيزات تعود ملكيتها في نهاية المشروع الى المستثمر، لا الى للدولة.
– إنّ المدة المحتسبة لتحديد التكلفة المعدلة أو الافتراضية، هي 3 سنوات، ما يعني أنّ المستثمر يستهلك مصاريفه الثابتة على مدى 3 سنوات، وبالتالي فإنّ أي تمديد للعقد يجب أن يتزامن مع تخفيض سعر الكيلو واط / ساعة حفاظاً على حقوق الدولة.
– إن سحب العرض خلال فترة المناقصة يتعارض مع أحكام المادة 13 من نظام المناقصات التي تنص على عدم إمكانية سحب العروض بعد تقديمها.
– إنّ النصوص تبدو متعارضة لناحية تحديد من يتحمل الضريبة على القيمة المضافة، الملتزم أم الدولة؟
– إنّ مدة 3 أشهر و6 أشهر سوف تلغي المنافسة، إذ يستحيل على أي شركة لم تحضّر الباخرة مسبقاً التقيد بهذه الفترة، لا بل إن أعمال الربط وتحضير الموقع، حتى لو كانت الباخرة جاهزة، تتطلب فترة طويلة. مع الإشارة الى أنه تم تعديل هذه الفترة في استدراج العروض السابق الملغى، لتجنب العارض الوحيد، إلى 9 و12 شهراً، ثم الى أي فترة يقترحها العارض.
– إن المستندات المطلوبة من الممثل المحلي (أن يكون مسجلاً في نقابة المهندسين وفي نقابة المقاولين، وأن يبرز براءات ذمة من هاتين النقابتين ومن صندوق الضمان الاجتماعي) تحد من المنافسة، وتخرج الصفقة عن إطار كونها مناقصة عالمية، علماً بأنّ الشركة الأجنبية هي التي تقدم التجهيزات والمعدات وتتولى التنفيذ، ويكفي أن يكون لها ممثل أو وكيل تجاري في لبنان.
– معادلة التقييم المالي استنسابية وتتعارض مع أحكام المادة 126 من قانون المحاسبة العمومية التي تنص على اعتماد عناصر واضحة مفصلة محددة بدقة مع معدلات خاصة بكل منها عند الاقتضاء.
– التقييم المالي سيتم على جولتين بما لا يأتلف مع أحكام قانون المحاسبة العمومية.
– العرض يُعتبر مستجيباً في حال تحقق 70% من المعايير غير الإلزامية. بالرجوع الى جدول المعايير، يتبين وجود أربعة معايير غير إلزامية، وبالتالي يكون المطلوب الالتزام بـ 2,8 معيار. فإذا افترضنا أن العارض قدم عرضه على البحر (طاقة عائمة)، فإن خيار التأجير لا يتوفر لديه، فيصبح لديه ثلاثة خيارات (خيار القطع والصيانة، خيار التمويل وخيار الخبرة والكفاءة في التعامل مع أعمال مماثلة). فإذا لم يلتزم بخيار التمويل لفترة 6 أشهر، يصبح لديه خياران فقط، فيما المطلوب 2,8 (4×70%) معيار، ويصبح بالتالي خارج المنافسة فتصبح المعايير الاختيارية كأنها إلزامية، وتضيق دائرة المنافسة أو تحصرها بعارض وحيد.
– بمراجعة مشروع العقد المرفق، لم يتبين لنا أنه تم تحديد قيمة الدفعة الأولى، ما يعني وجوب الرجوع الى أحكام قانون المحاسبة العمومية بهذا الشأن.
– ورد في مشروع العقد أن تركيا هي مركز المصرف الذي سيصدر عنه الضمان المؤقت… ووردت عبارة: ”أي أكلاف مصرفية خارج تركيا تتحملها الدولة“. لماذا ذُكرت تركيا؟ هل لأنها مركز الشركة التي تؤجّر لبنان حالياً بواخر كهرباء وهي الشركة الوحيدة التي استوفت دفتر الشروط بصيغته السابقة، قبل أن تلغى بناء على اقتراح إدارة المناقصات؟
– إن الدفع بواسطة كتب الاعتمادات هو آلية غير منصوص عليها في قانون المحاسبة العمومية.
– في حال إنتاج زيادة عن الطاقة المطلوبة 400 ميغا واط دون تحديد أي سقف، فإنّ الدولة تدفع ثمن الزيادة، وكأننا أمام عقد جديد.
– على الملتزم إجراء دراسة أثر بيئي خلال فترة 45 يوماً من تاريخ توقيع العقد، فإذا علمنا بأنّ مدة التنفيذ الأولى هي 60 يوماً والثانية هي 180 يوماً، كما ورد في دفتر الشروط، تصبح المدة الفعلية للتنفيذ 45 يوماً، هذه المدة لا تتناسب أبداً مع ماهية المشروع المعروض، ويستحيل الالتزام بها عملياً.
– أعطي المتعاقد مع الإدارة حق إنهاء العقد في حالات محددة، منها إذا لم يقبض مستحقاته خلال 30 يوماً، وإذا لم يقبض الدفعة المسبقة خلال 15 يوماً من تاريخ أمر المباشرة بالعمل. كل هذه الشروط تخالف فقه واجتهاد القضاء الإداري المستقر على استمرارية المرفق العام وأن المتعاقد مع الإدارة ملزم في سبيل هذه الاستمرارية بالتنفيذ مع المطالبة بالتعويض العادل ولا يجوز له فسخ العقد. وللدولة حق فسخ العقد تماشياً مع متطلبات سير المرفق العام في أي لحظة مقابل تعويض عادل.