كشفت المهمة السياسية التي يقوم بها رئيس تشخيص مصلحة النظام في إيران محمود هاشمي شاهرودي ، ما بين بغداد والنجف ، عن القلق المتفاقم داخل مركز القرار في طهران من صعود تحالف سياسي جديد في العراق لا يخضع للأجندة الإيرانية.
وتخشى إيران أن يسمح النزاع السياسي الداخلي بين القوى الشيعية في العراق ، بصعود تحالف يضم “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر ، إلى جانب رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي ، خلال الإنتخابات القادمة ، ما يهدد فرصة التحالف الشيعي في الحفاظ على منصب رئيس الوزراء، الذي يحتكره منذ عام 2005.
وذكرت مصادر سياسية مطلعة أن شاهرودي عبّر لرئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي عن القلق المتفاقم من فقدان التحالف الشيعي منصب رئيس الوزراء.
وأصبح الصدر مصدر قلق لإيران بعد انفتاحه على المحيط العربي وقيامه بزيارتين إلى السعودية والإمارات حظيتا بدعم شعبي عراقي.
وقاد زعيم “التيار الصدري” أول انشقاق في التحالف الشيعي، تبعه جناح رئيس الوزراء حيدر العبادي في حزب “الدعوة”، وإن لم يكن بشكل علني.
وأجرى شاهرودي مشاورات شملت كلا من رئيس الوزراء حيدر العبادي ، وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ، وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم ، ورئيس المجلس الأعلى الإسلامي همام حمودي ، فيما ينتظر لقاء المرجع الديني في النجف آية الله علي السيستاني .
وتريد طهران ضمان الحد الأدنى من التهدئة بين القوى السياسية الشيعية في العراق ، حتى إذا اختارت النزول في قوائم منفردة خلال الانتخابات المقبلة، على أن تكون وحدة الطائفة الشيعية فوق أي اعتبار سياسي أو وطني آخر.
وحاول شاهرودي التعرف على نوايا العبادي ، بشأن المستقبل السياسي للتحالف الشيعي، وإمكانية أن يكون جزءا منه.
وذكرت مصادر لصحيفة “العرب اللندنية”، أن “العبادي أبلغ شاهرودي بأن نواياه السياسية ليست مهمة حاليا، فهو يركز على حسم المعركة مع داعش”. لكن شاهرودي، رد ملمحا إلى “خطر ضياع منصب رئيس الوزراء من شيعة العراق ، في حال استمرت خلافاتهم”.
وفي لقائه مع المالكي، استمع رئيس تشخيص مصلحة النظام إلى “ملاحظات عديدة بشأن الأداء السياسي لبعض قوى التحالف الوطني”.
وأفاد مصدر مطلع بأن “المالكي، طلب دعم طهران لمساعيه الرامية إلى ترؤس التحالف الوطني الشيعي، بعد انتهاء ولاية الحكيم الحالية”.
وختم شاهرودي سلسلة لقاءاته في بغداد باستقبال الحكيم، الذي أبلغ المسؤول الإيراني “التزامه بالعمل على تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين في التحالف الوطني، حتى تنتهي مدة رئاسته له”.
واعتبر مراقب سياسي عراقي أن ما يقلق إيران هو مستقبل نفوذها في العراق، وليس حاضر البيت الشيعي. وقال في تصريح لـ”العرب اللندنية”، إنه “لا يمكن لإيران الاطمئنان على مستقبلها في العراق إلا من خلال استمرار حزب الدعوة في الحكم لولاية رابعة، بغض النظر عن الشخصية التي تقود السلطة التنفيذية، العبادي أو سواه”.
وأضاف أن “ما يهم إيران بالدرجة الأساس أن تستمر في هيمنتها على القرار السياسي في العراق، والتي يمكن أن تتعرض للخطر إذا ما نجح مقتدى الصدر في التحالف مع التيارات المدنية وصولا إلى إزاحة تفرد حزب الدعوة بالحكم”.
وتسعى إيران إلى تأهيل أطراف قريبة منها لتمثيل السنة من أجل أن تكتمل أصول اللعبة السياسية قبل الإنتخابات وهو أمر سيكون أكثر صعوبة من محاولة تقريب وجهات النظر بين القوى الشيعية المنضوية داخل التحالف الوطني.
ويزداد القلق في إيران من مسألة عدم العثور على تلك الأطراف بعدما تعرضت كل القوى السنية لعملية اندثار وصارت عاجزة عن تلبية أقل حاجات الشارع السني ضرورة.
وحث شاهرودي الزعماء العراقيين في بغداد، على المزيد من التشاور، قبل تقرير شكل مشاركتهم في الانتخابات المقبلة”، وتوجه بعدها إلى النجف للقاء المراجع الدينية.
وحتى مساء الثلاثاء، لم يحصل شاهرودي على موافقة شفوية لمقابلة المرجع الأعلى في النجف علي السيستاني.
وذكرت مصادر مطلعة في النجف أن “المسؤول الإيراني، لا يستطيع أن يتقدم بطلب خطي، وهو السياق المتبع في ترتيبات مقابلة السيستاني، قبل أن يحصل على موافقة شفوية”.
وأكدت المصادر، أن “شاهرودي أمضى ساعات عدة، في اتصالات مع أطراف عديدة، ليضمن موافقة مكتب السيستاني، على طلب مقابلته، في حال تقدم به”. لكن ذلك لم يحدث، حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
وقال مصدر في مكتب السيستاني لـ”العرب”، إنه “لا تنسيق حتى الآن بشأن استقبال المرجع الأعلى، لرئيس تشخيص مصلحة النظام”.
ولدى سؤاله عن إمكانية موافقة السيستاني على طلب مقابلته، إذا ما تقدم به شاهرودي، قال إن “المرجع الأعلى لم يسبق له أن أحدث اتصالا مع مرجع آخر يشغل منصبا سياسيا”.