اعتبر النائب السابق الدكتور فارس سعيد في حديث لصحيفة “الراي” الكويتية أن ما من نهاياتٍ حاسمة في المنطقة حتى الآن تُمْلي هذا الجنوح المتمادي في التسليم لإرادة «حزب الله» ومشروعه في لبنان وعلى النحو الذي يناقض اتفاق الطائف وهويّةَ لبنان وموقعَه والحقائقَ الراسخة في المنطقة العربيّة التي تعيش الآن مخاضاً بين ثلاثة خيارات، هي:
- الفكرةُ المصرية التي تجد في الجيوش الوطنية ملاذاً لإنهاء الصراع وتحقيق الاستقرار، بعدما تبدّلتْ أولوية الغرب من حقوق الانسان إلى مكافحة الارهاب، وخصوصاً في ضوء تجربة «الإسلام السياسي» في مصر وفي ساحات أخرى.
- الفكرة التركية القائمة على دعْم «الإسلام السياسي» وتمكينه من الحكم، وهي الفكرة التي كانت حظيتْ بتشجيعٍ من إدارة باراك أوباما ومن إيران ايضاً التي تجد في الاسلام السنّي تبريراً لمشروع الإسلام الشيعي.
- فكرة نظام المصلحة العربية التي تتبنّاها المملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج، وتستند إلى قيام عالمٍ عربي بمعزلٍ عن تدخلاتٍ غير عربية، يسوده الاعتدال ومتصالِحٌ مع الغرب ويعيش في منطقةٍ تنعم بسلامٍ دائم.
لبنان، كما يقول سعيْد لـ «الراي» جزءٌ من نظام المصلحة العربية، وربما جوْهرُه، فالعالم العربي في تحوّلاته المفترَضة ذاهبٌ ليشبه لبنان التنوّع والحداثة والعيش المشترك، في الوقت الذي يكاد أن يخسر لبنان هذه القيم والميزات في ظلّ الانصياع لمنطق الغلبة وقوة موازين القوى لا قوة التوازن.
سعيْد، الذي بدا وكأنه يغرّد مع كل طلعة شمس خارج السرب منذ أعلن وفي وقت مبكّر رفْضَه التسوية التي أمْلتْها «واقعية» حلفائه، أَدْرك بعد لقائه الوزير السعودي المكلّف الملف اللبناني (السبهان) أن فترة السماح لاختبار جدوى تلك التسوية انتهتْ أو شارفتْ على الانتهاء.
فالانطباعُ هو أن نظرية انتخاب عون رئيساً لجعْله أكثر استقلالية عن «حزب الله» سقطتْ بدليل التماهي مع خيارات الحزب عبر الإيحاء بشرعية سلاحه والسيْر بأجندته والانحناء أمام سياساته، الأمر الذي أفضى إلى اختلالٍ عميقٍ في التوازن ومكّن الحزب من القبض أكثر على مَفاصل القرار اللبناني. وفُهم أن المضيّ في هذا السلوك في ملاقاة الانتخابات النيابية من شأنه تمكين «حزب الله» من حصْد غالبية برلمانية تتيح له شرْعنة سلاحه ونقْل البلاد من مكان إلى آخر، بتكريس انتسابه الى المحور الإيراني، وهو الأمر الذي يعرّضه لأثمان هائلة يفترض تَدارُكها قبل فوات الأوان.
وفي اعتقاد سعيْد ان «حزب الله» يسعى إلى توظيفِ معركة الجرود لإلحاق لبنان بالمحور الإيراني، في الوقت الذي يفترض القول انه «أما وأن لبنان طرد الجماعات الارهابية من حدوده الشرقية بعدما صارت حدوده الجنوبية في عهدة الـ 1701 منذ 2006، فإنه حان الوقت لاستقرار لبنان، والمدخل الى ذلك تسليم (حزب الله) سلاحه للدولة اللبنانية، التي على عاتقها وحدها حماية لبنان وتحقيق العدالة والمساواة بين اللبنانيين».
فلم يعد – في تقدير سعيْد، من مكانٍ لـ «الرمادية» في مقاربة مسائل مصيرية، والمملكة العربية السعودية لن تمضي في تغطية سياساتٍ أثبتتْ عقمها، وهي حريصةٌ على عدم استدراج الداخل اللبناني الى مواجهةٍ، لكنها تشجّع على قيام ديناميات جديدة لحمايةِ التوازنات بوصْفها صمام أمانٍ يجنّب لبنان الانسلاخ عن هويّته وتَحوُّله ساحةَ مغامراتٍ تطيح باستقراره.
وبهذا المعنى فإن السعودية الراغبة في عدم إضعاف الرئيس سعد الحريري كرئيسٍ للحكومة لم تعد تجد فيه الممرّ الوحيد لعلاقاتها اللبنانية، وتالياً فإنها تدعم فكرة قيام أطر سياسية ونخبوية تحول دون التفريط بالتوازنات الوطنية، المذهبية والطائفية، وسط أفكار متداولة عن صيغ على الساحتين السنية (تشبه مجلس حكماء) والوطنية تؤسس لتحالف عريض عابِر للطوائف.