تتطور صناعة السينما في هوليوود بشكل ملحوظ، ومعها يزداد الاعتماد بشكل أكبر على وسائل التكنولوجيا والمؤثرات البصرية، والتي تعود بداية استخدامها إلى السنوات الأولى في عمر هوليوود، والتي كان يتم فيها دمج مشاهد مختلفة في مرحلة المونتاج لصنع مشهد واحد متكامل، مثلما كان يحدث في مشاهد الأشخاص التوائم الذين يلعب أدوارهم نفس الممثل، حيث كان الغالب وقتها هو تصوير مشهدين لكل من التوأمين بشكل منفصل، ثم دمجهما معاً.
ولعل أبرز وأهم ما استخدمته التكنولوجيا الهوليوودية في العقود الأخيرة واعتمدت عليه بشكل ضخم هما تقنيتي الـ CGI والـ Mo-cap (وهما اختصاران للفظتي Computer-generated imagery و Motion Capture على التوالي).
فالتقنية الأولى تصنع أشياء رقمية خيالية بواسطة برامج الكمبيوتر، وتستخدم بشكل مكثف في أفلام الخيال العلمي لخلق الإبهار البصري الذي يغلُب على هذه الأعمال، أما التقنية الثانية فهي تعتمد على التقاط حركة الممثلين بواسطة أجهزة كمبيوترية دقيقة مثبتة على وجوههم وأجسادهم، وذلك من أجل تحويلها إلى صور رقمية قابلة للتعديل عليها.
ولتقريب الأمر لذهن القارئ، نأخذ سلسلة أفلام The Hobbitعلى سبيل المثال، فكل الكائنات الأسطورية والعوالم الساحرة التي رأيناها في الأفلام تم صنعها بواسطة تقنية الـ CGI، بما يتضمن شخصية غولوم الشهيرة التي لعبها النجم الإنكليزي أندي سيركيس مستخدماً تقنية الـ Mo-cap، كما أن أغلب مشاهد النجم الإنكليزي الراحل كريستوفر لي تمت بواسطة تقنيات متطورة من تكنولوجيا دمج المشاهد، لأنه كان شديد المرض في أيامه الأخيرة، فتم تصوير مشاهده بمفرده.
ومع هذا التطور التكنولوجي الكبير الذي يحدث يومياً في هوليوود، والذي سمح لصناع الأفلام والمسلسلات بابتكار وصنع شخصيات وعوالم خيالية لم تكن موجودة في الأساس، لم يعد صعباً عليهم كذلك إعادة ممثلين موتى إلى الحياة، وإشراكهم في أعمال جديدة بعد وفاتهم.
وفي هذا التقرير، نستعرض أبرز النجوم الراحلين الذين ظهروا في أعمال شهيرة بعد وفاتهم، سواء بتقنية الـ CGI أو بالـ Mo-cap، أو حتى بالتكنولوجيا القديمة التي يتم فيها دمج المشاهد معاً.
مارلون براندو
بعد ظهوره بمشاهد معدودة بدور والد سوبرمان في فيلم Superman الصادر عام 1978، قام النجم الأميركي الراحل مارلون براندو بتصوير عدة مشاهد في الجزء الثاني Superman II.
إلا أنه بسبب رفض منتجي الفيلم منحه الأجر الذي طلبه، انسحب براندو من الفيلم، ومنعهم من استخدام المشاهد الخاصة به.
تمر السنوات، ويرحل براندو عن عالمنا في عام 2004، قبل أن يتم الإعداد لفيلم Superman Returns، حيث قرر صناعه استخدام مشاهد براندو المستخدمة وغير المستخدمة في فيلمي سوبرمان السابقين، وصنع نسخة CGI لوجهه، بعد اختيار لقطات معينة من تلك المشاهد تتوافق فيها حركة شفتيه مع الحوار الذي يلقيه في فيلم Superman Returns الذي صدر عام 2006، أي بعد رحيل براندو بنحو عامين.
فيليب سيمور هوفمان
النجم الأميركي الراحل فيليب سيمور هوفمان كان أحد الشخصيات المساعدة الرئيسية في سلسلة The Hunger Games، إلا أنه مات بسبب جرعة مخدرات مفرطة قبل أن ينتهي من تصوير مشاهده الأخيرة في الجزء الرابع والأخير Mockingjay – Part 2.
وكان أحد أهم هذه المشاهد هو مشهد يجمعه مع بطلة السلسلة النجمة جينيفر لورانس.
لكن ولأن مخرج الفيلم فرانسيس لورانس كان حريصاً على الإبقاء على دور هوفمان بداخل الفيلم، وعدم الاستعانة بممثل بديل لتصوير دوره، فقد قام بتصوير المشهد بدون هوفمان بعد أن وزع حواره على شخصيات أخرى في المشهد، ثم استعان بلقطات غير مستخدمة لهوفمان من الأجزاء السابقة، وقام بدمجها معاً، ليبدو وكأن هوفمان كان متواجداً صامتاً ضمن الحضور في هذا المشهد.
لورانس أوليفيه
رغم أن فيلم Sky Captain and the World of Tomorrow الصادر عام 2004 لم يحقق نجاحاً تجارياً كبيراً، إلا أنه لاقى إشادة كبيرة من النقاد.
كان هذا الفيلم أحد أوائل الأفلام التي تم الاعتماد فيها بشكل مكثف على تقنيات الـ CGI، والتي كان أبرز استخداماتها في الفيلم هو صنع شخصية الدكتور توتنكوبف، التي لعبها النجم الإنكليزي لورانس أوليفييه بعد وفاته بأكثر من 10 سنوات.
قام صناع الفيلم بالبحث في أرشيف كامل من الصور والفيديوهات للنجم الراحل، واختيار المناسب منها مع الكلام الذي سيتحدث به في الفيلم، كما تمت الاستعانة بصوت ممثل آخر لقول بعض الكلمات التي تضمنها الحوار.
بيتر سيلرز
أحد أغرب الأفلام التي تم تصويرها على الإطلاق هو Trail of the Pink Panther الصادر عام 1982، فالفيلم هو الجزء السابع من سلسلة “النمر الوردي الشهيرة، وهو آخر الأجزاء التي قام ببطولتها النجم الإنكليزي الكوميدي الراحل بيتر سيلرز، والذي لعب فيه شخصيته الأشهر “المفتش كلوزو للمرة السادسة والأخيرة.
ويعود وجه الغرابة في الموضوع هو أن سيلرز مات قبل تصوير الفيلم بنحو 18 شهراً، ولم يقم بتصوير مشهد واحد فيه، وكانت كل مشاهده في الفيلم هي لقطات قديمة غير مستخدمة من الأجزاء السابقة.
قام صناع الفيلم باختيار المناسب منها وإجراء التعديلات الملائمة على السيناريو خلال فترة التصوير لدمج بعض المشاهد القديمة والجديدة سوياً، لتبدو النتيجة في النهاية وكأن الفيلم تم تصويره في ظروف طبيعية بوجود سيلرز على قيد الحياة.
بيتر كوشينغ
بعد أكثر من 20 سنة على وفاته، ظهر الممثل الإنكليزي الراحل بيتر كوشينج في شخصية القائد تاركين في فيلم Rogue One الصادر العام الماضي، وهي الشخصية التي لعبها سابقاً في فيلم A New Hope الصادر عام 1977.
تم ذلك بواسطة ممثل إنكليزي شديد الشبه به هو جاي هنري، والذي قام بتصوير المشاهد المطلوبة بطريقة الـ Mo-cap، ليقوم صناع الفيلم بعدها باستبدال وجهه وصوته بوجه وصوت كوشينج، الذي كان وجوده ضرورياً في الأحداث التي تدور قبل أحداث A New Hope، مع عدم رغبة صناع الفيلم في اختيار ممثل آخر للعب الدور.
بول واكر
يعلم محبو السينما أن أصعب مراحل تنفيذ الفيلم وأطولها هي مرحلة الـ Post-production وهي المرحلة التي يتم فيها مونتاج الفيلم وإضافة المؤثرات البصرية والصوتية.. إلخ، حتى يخرج الفيلم في النهاية بالشكل الذي نراه في السينما.
تصوير الفيلم نفسه قد يتم خلال بضعة أسابيع وأحياناً أشهر إذا ما كان ضخم الإنتاج، ولكن مرحلة الـ Post-production تستغرق عادة فترة أطول قد تصل إلى سنة وربما أكثر، وفي الأمثلة السابقة التي تناولناها، كانت إضافة مشاهد الممثلين الراحلين إلى مشاهد الأفلام تندرج ضمن مرحلة الـ Post-production، ولكن أياً منها لم يكن مشكلة بالنسبة لصناع الأفلام، ولم يكن له تأثير في إطالة المرحلة، ومن ثّم لم يحدث تأخير لعرض الفيلم الذي كان مقرراً قبل أن يبدأ حتى التصوير الفعلي.
غير أن الحالة الوحيدة التي تأثر فيها الفيلم وتأخر ميعاد عرضه كانت في Furious 7، حيث كان مقرراً له في البداية أن يصدر خلال يوليو 2014، ولكن بعد وفاة أحد أبطال الفيلم الرئيسيين بول واكر، صدر الفيلم خلال أبريل/نيسان 2015، وطوال تلك الفترة تم إجراء العديد من التعديلات على السيناريو، والاستعانة بشقيقي واكر لإكمال مشاهده، واستخدام تقنيات الـ CGI لإضافة صور وصوت النجم الراحل بدلاً من شقيقيه، حيث تمت الاستعانة في بعضها بلقطات قديمة له من الأجزاء السابقة.