يؤجل سكان أغلب الدول الغربية الإنجاب بسبب صعوبات العمل وعواقب الأزمة الاقتصادية الأخيرة، فالبيئة الاجتماعية والاقتصادية تزداد تعقيداً بسبب مشكلة الخصوبة ووصمة كبر سن الأم، بحسب عالم الاجتماع الإسباني، سانتياغو بارديا.
لكن على الناحية الأخرى، فإن الإنجاب متأخراً ليس سيئاً كما يبدو للبعض، وحلل مجموعة من الباحثين العلاقة بين الأمومة المتأخرة والقدرات المعرفية للأطفال، حين كانت أعمارهم عشرة أعوام، وأجرى الباحثون دراسة طويلة المدى في بريطانيا في الأعوام 1958 و1970 و2000 و2002 على عشرة آلاف طفل كل عام، بحسب صحيفة Elpais الإسبانية.
كانت النتائج مدهشة، فالأطفال الذين ولدوا لأمهات تراوحت أعمارهن بين 35 و39 عاماً حققوا نتائج إيجابية أكثر في القدرات المعرفية من أبناء الأمهات الشابات.
وإليكم بعض المزايا التي قد يحصل عليها الأطفال، في حال إنجاب الأم خلال وقتٍ متأخر بحسب صحيفة Elpais الإسبانية.
وفقاً لما أوضحه الباحثون في الدراسة، ففي الخمسينيات كانت النساء اللاتي أنجبن بعد سن الثلاثين قد أنجبن خمس أو ست مرات قبلها، أي أنها لم تكن المرة الأولى.
وكان من المفترض أن يرفع هذا القدرات المعرفية للأبناء بسبب قدرة الأشقاء الأكبر على تقديم رعاية أبوية: اليوم يرتبط نقص الاهتمام من جانب الآباء الذين يعملون بعيداً عن أبنائهم بتغيرات سلبية في نسبة الذكاء (CI).
فضلاً عن أن الأسر الكبيرة كانت في الغالب أكثر فقراً، وهو فقر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنمو العقلي، بسبب ثلاثة عوامل تنتج عن نقص الموارد: سوء التغذية، وتدهور الحالة الصحية، والتحديات التي يواجهها الطفل، في تلك المرحلة كما يتندر أرماندو باستيدا طبيب الأطفال ومؤسس مجمتع التربية: “ما كان يأتي حين كانت الأم في الخامسة والثلاثين من عمرها ينمو وحده”
الأمهات في الدراسة التي أجريت عام 2000، اللاتي أنجبن في سن متأخرة كنَّ على عكس نساء الخمسينيات، يفضلن تطوير حياتهن المهنية، وكن في مستوى اقتصادي واجتماعي مريح، وحرصن على متابعة حالتهن الصحية أثناء الحمل.
مع ذلك يعلق أرماندو باستيدا “في دراسات كثيرة كان لدى الأسر ذات الموارد المحدودة تنمية محدودة لأبنائها، وكانت تعاني من فرص أقل، أو ربما قلل الآباء من شأن القراءة والأنشطة الأخرى… “بينما كانت أمهات العصر الحالي “يشغلهن أن يحظى أبنائهن بمستوى متقدم في الدراسة والثقافة والحالة الاقتصادية”.
ويصر باستيدا على توضيح نقطة رئيسية في الدراسة “الفروق المعرفية بين الصغار لا تعود إلى عوامل بيولوجية أو وراثية ترتبط بعمر الأم، وإنما ببساطة لأن ما كانت تقوم به امرأة في الخامسة والعشرين من عمرها أُسند إلى امرأة في الخامسة والثلاثين”.
قدرات عقلية أكبر واستخدام أقل للعنف
بصرف النظر عن العوامل البيولوجية والديموغرافية والاجتماعية المفضلة للأم الأكبر سناً، والتي لا يجب التقليل منها، فوفقاً لدراسة في جامعة آرهوس بالدنمارك فإنهن يستخدمن العقاب والعنف اللفظي بمعدل أقل من الأمهات الأكثر شباباً، وهو ما يوفر للأطفال حياة عاطفية جيدة.
وقد استنتجت دراسة أخرى في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمر نفسه “الآباء الأكبر سناً يمكن أن يكونوا أقل مقاومة من الشباب، لكن لديهم خبرة ومعرفة أكبر”، بحيث “تشكل الميزات الاجتماعية المتوفرة توازناً مع العيوب البيولوجية”.
إذا كان للحمل في أواخر الثلاثينيات مضاعفات كثيرة محتملة، كزيادة إمكانية إصابة الطفل بمتلازمة داون وزيادة خطر ارتفاع ضغط الدم أو الإصابة بسكري الحمل، فإن له أيضاً فوائد على مستوى الصحة.
ونشرت المجلة الأميركية للصحة العامة دراسة أجريت على أكثر من عشرين ألف امرأة، ووجد الباحثون احتمالاً لأن تعيش النساء اللواتي أصبحن أمهات بعد سن الخامسة والعشرين -والذي يعتبر الوقت الذهبي للإنجاب- حياة أطول تصل لتسعين عاماً، أكثر من غيرهن بنسبة 11%.
دراسة أخرى لكلية الطب بجامعة بوسطن في الولايات المتحدة تزيد الأمل أكثر في حياة طويلة للأمهات الأكبر سناً، وجدت أن النساء اللواتي أنجبن الطفل الأصغر بعد سن الثالثة والثلاثين جمعن توقعات أكثر بالعيش حتى سن الخامسة والتسعين. والأكثر أن هذا الاحتمال يبلغ ضعف الأمهات الأخريات اللاتي أنجبن الطفل الأخير قبل الثلاثين من عمرهن.
يوضح الدكتور توماس برلس، مؤلف الدراسة “لا يعني هذا بالطبع أن تنتظر النساء لإنجاب طفل في عمر متقدم ليزيد الأمل في عيش عمر أطول، فالقدرة الطبيعية على إنجاب طفل في عمر معين ترتبط غالباً بالنظام التناسلي للمرأة، والذي تصيبه الشيخوخة كما تصيب باقي الجسم”، لكن هذه النتائج تشير إلى النساء ربما يكنّ قوة دافعة وراء تطور المتغيرات الوراثية، التي تؤخر الشيخوخة وتساعد الأفراد على عيش حياة أطول.