كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
لا يمرّ يوم، إلّا ونسمع فيه خبرَ انتحارِ شخصٍ ما. في كلّ سنة، تُخصّص منظمة الصحة العالمية مع الرابطة الدولية لمنع الإنتحار يوماً لمحاربة الإنتحار وهو الواقع في 10 أيلول. الهدف من هذا اليوم العالمي توعية المجتمع حول آفة الإنتحار وكيفية الوقاية منه وغرس الأمل والتوجيه النفسي على يد الاختصاصيّين للحدّ من وجوده. وأيضاً من أحد أهداف “اليوم العالمي لمحاربة الإنتحار” مساعدة الأهل ومساندتهم خصوصاً في البلدان حيث لا يزال الانتحار يشكّل وصمة عار على العائلة. علماً أنّ آفة الإنتحار موجودة في كل بلدان العالم، وهي لا تميّز بين عرق أو دين أو جنسيةً. فما هو الإنتحار؟ ولماذا يصل الإنسان إلى مرحلة حيث يفكّر، يخطط، وينفّذ الإنتحار؟ وكيف يمكن مساعدة شخص ينوي الإقدام على هذه الخطوة الجريئة والصعبة عليه وعلى عائلته؟يُعتبر الإنتحار من الأسباب الثلاثة الرئيسة للوفاة في العالم عند الفئة العمرية التي تراوح ما بين 15 و44 عاماً. والإنتحار هو السبب الرئيس الثاني لموت الشباب والشابات ما بين 15 و19 عاماً.
حسب منظمة الصحة العالمية، ينتحر كلّ سنة ما يقارب المليون شخص في مختلف أنحاء العالم. تختلف نسبة الإنتحار من بلد لآخر، ولكنّ هذه الآفة موجودة في كلّ البلدان، وحتّى الأكثر تطوّراً وتقدّماً إقتصادياً. فليس صحيحاً أنّ الإنتحار يتركّز في البلدان الفقيرة أو تلك التي في طور النموّ. أمّا في الشرق الأوسط، فيؤدّي الإنتحارُ إلى موت حوالى 36 ألف شخص سنوياً.
لطريقة الانتحار معانٍ
الإنتحار هو اللجوء إلى وسيلة ما للتخلّص من الحياة. بمعنى آخر، هو قيام شخص بأذيّة نفسه إلى حدّ الموت عمداً، من خلال طريقةٍ ما يتّبعها ويخطّط لها وينفّذها. تتنوّع طرق الإنتحار ما بين التسمّم، بلع الأدوية، إستعمال الأسلحة النارية، الغرق، القفز من المرتفعات، شنق الذات….
ولكن، توجد علاقةٌ وطيدة ما بين طريقة الإنتحار والإضطراب النفسي الذي يعاني منه المنتحر وجنسه.
يعني ذلك، أنّ غالبيّة الإناث اللواتي أقدمن على الإنتحار استعملن الأدوية أو الغرق. بينما يستعمل الذكور طرقاً أكثرَ “عنفاً” مثل إستعمال الأسلحة النارية أو القفز من المرتفعات… وكلما عانى الشخص من اكتئابٍ كبير كلما كانت طريقة إنتحاره عنيفة.
أبرز أسباب الإنتحار
عوامل شتّى تجعل الشخص “ضعيفاً”، فلا يقوى على تلقّي “مشكلات” قد يعتبرها أشخاص ذات البنية النفسية المتّزنة، بسيطة، ما قد يؤدّي به إلى الانتحار. ونعرض في ما يلي أسباباً ربّما تدفع الإنسان إلى الانتحار.
- تُعتبر التربية السليمة أساسية لتكوين شخصيّة متّزنة. الشخص الذي يتربّى ضمن عائلة صالحة، يكون صالحاً وتكوينه الشخصي كذلك، ما يجنّبه التعرّض للنكسات القوية والأفكار الإنتحارية. أمّا المشكلات الفردية التي قد يعايشها الشخص خلال طفولته، فيمكن أن تسبّبَ مشكلات نفسيّة كثيرة وبالتالي تؤدّي للتفكير بالإنتحار.
- وتُضاف إلى أسباب الانتحار المشكلات الإجتماعية التي لم يتمّ حلُّها أو التحدّث عنها، ومنها الإعتداءات الجسدية والنفسيّة والعنف والتفكّك الأُسري، والمشكلات الزوجية والعائلية الكبيرة…
- المشكلاتُ الاقتصادية والظروف المادية المتعثّرة.
- جميع سلوكيات الإدمان ممكن أن تكون سبباً مباشراً للتفكير وللإقدام على الإنتحار، ومنها الإدمان على المخدرات أو الشرب وصولاً إلى إدمان ألعاب الميسر…
- الصدمات النفسيّة القوية: وقد يكون الإنتحارُ ملجأً للتخلّص منها خصوصاً عند الأشخاص المسنّين.
- الإضطرابات النفسية: هي من الأسباب الرئيسة للانتحار. فالإكتئاب الشديد، واضطرابات المزاج الحادة وبعض الأمراض النفسيّة والأرق والمشكلات المرضية الخطرة تؤثّر في الإنسان بشكل مباشر أو غير مباشر… ويمكن أن تؤدّي إلى الإنتحار.
إلى ذلك، أكّدت الدراساتُ النفسيّة الحديثة أنّ المصابين باضطراب الشخصية الحدّية، يحملون أفكاراً إنتحارية أكثر من غيرهم. وتتميّز هذه الحالة بالمشاعر غير المستقرّة والتصرّفات المندفعة.
ولكن لا يمكن أن نعمِّمَ ونؤكّد أنّ جميع المشكلات النفسيّة والإجتماعية والفردية يمكن أن تؤدّي إلى الإنتحار. فالتربية الصالحة وقدرة تحمّل الأعباء وتقبّل الحياة بمساوئها وإيجابياتها، تساعد على الكفّ عن الإنتحار. كما يلعب التكوينُ الشخصي للإنسان دوراً بارزاً في تخطّي الصعوبات والمشكلات التي يمكن أن تدفع بعض الأشخاص إلى التفكير بالإنتحار.
كيف نساعد أشخاصاً يفكّرون بالإنتحار؟
في حال قرّر إنسان “الإنتحار”، يمكن منعه. يتميّز الشخص الذي يفكّر بالموت عادةً بالأفكار السوداوية، وتتأرجح أفكارُه ما بين “حبّ الحياة” و”كره الحياة”. وبسبب الألم الداخلي الذي يشعر به، يتطلّع لأن يوقفه أحدٌ عن فعلته وينتظر المساعدة بشتّى الطرق.
فهذا المريض لا يريد الموت بل يريد إزالة الألم. لذا طلبُ المساعدة من الطبيب النفسي ومن الاختصاصي النفسي مهمٌّ جداً، هذه المساعدة تخفّف من آلامه وتمنحه الأمل.
ومن النقاط التي يجب أن تتبعها الدولُ لمحاربة الإنتحار: أولاً، توعية المراهقين والراشدين حول الإضطرابات النفسيّة وكيفية طلب المساعدة عند الشعور بالحزن والإكتئاب.
ثانياً، على المؤسسات والمراكز والمنظمات التي تُعنى بالأمراض والاضطرابات النفسيّة أن تضع إجراءات وقائية للحدّ من الإنتحار من خلال معالجة الأسباب المؤدّية إليه.
ثالثاً، يجب على الدولة أن توفّر الرعاية والمتابعة والدعم الاجتماعي للأشخاص الذين أقدموا على الانتحار من قبل ولم تنجح فعلتُهم. فضلاً عن مساعدة أهلهم الذين ينظر إليهم المجتمع وكأنهم المخطئون لتدهور حالة ولدهم أو قريبهم الذي أقدم على الإنتحار. لذا مساعدةُ الوالد والوالدة والإخوة والأخوات أمرٌ أساس خصوصاً أنّ المجتمع لا يرحم.