كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: أَكْمَلَ رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من خلال زيارته لروسيا، التي توّجها أمس بلقاءٍ بالغ الأهمية مع الرئيس فلاديمير بوتين، ما كان بدأه في الولايات المتحدة ثم فرنسا لجهة توفير «مظلّة أمانٍ» دولية تحْمي لبنان في لحظة «ترسيم النفوذ» بين اللاعبين الاقليميين والدوليين في المنطقة، وتحول دون جعْله يدفع ثمن أيّ مقايضاتٍ ينتهي إليها مخاض التسويات لعدد من الأزمات لا سيما الحرب في سورية.
ونجح الحريري من خلال حركته في اتجاه واشنطن العائدة الى المنطقة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، وباريس التي تشكل العنوان الأوروبي في دعم لبنان، وموسكو التي تُعتبر «اللاعب رقم واحد» في الملف السوري، في جمْع الأدوار المؤثّرة بمستقبل الشرق الأوسط حول ضرورة ألا يأتي أي حلّ للأزمة السورية على حساب لبنان، بمعنى عدم تكبيده أكلافاً باهظة، سواء عبر عدم بتّ مسألة عودة النازحين السوريين أو «تلزيمه» للمحور الإيراني.
وعلى الأهمية السياسية لزيارة الحريري لواشنطن والمعنى الاقتصادي – المالي لمحطته في باريس، فإن محادثاته في موسكو بدت الأكثر دلالات بالمعنى الاستراتيجي نظراً إلى دور روسيا المؤثّر على إيران وحاجة لبنان الى ما «يفرْمل» اندفاعة طهران، عبر حليفها «حزب الله»، لتوظيف المسار المرتقب في الأزمة السورية في سياق إحكام القبضة على لبنان، بحيث يمكن لروسيا أن تشكّل عنصر التوازن، من البوابة الدولية، في المشهد اللبناني المختلّ التوازن لمصلحة المحور الإيراني.
ولعلّ أكثر المفارقات دلالةً على صوابية توجّه الحريري نحو موسكو وإرساء «منظومة مصالح» مشتركة معها تطلّ على ملف النفط والغاز في لبنان ومجالات استثمار أخرى ترتبط بالإعمار في سورية، كان تَزامُن وجود رئيس الحكومة في سوتشي حيث التقى بوتين مع وصول وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف إليها حاملاً رسالة من الرئيس الإيراني حسن روحاني، وهي الزيارة التي ترتبط في جانب أساسي منها بالملف السورية وآفاقه.
وفي حين أثار وجود الحريري وظريف معاً في سوتشي علامات استفهام حول إمكان عقد لقاء بينهما، فإن ما توافر من معلومات حول لقاء بوتين مع رئيس الوزراء اللبناني يشير إلى انه تركّز على الوضع العام في المنطقة، والأزمة السورية خصوصاً، والواقع داخل لبنان إضافة الى سبل تعزيز مجالات التعاون الاقتصادي والعسكري، وسط تقارير توقّعت أن تبدأ موسكو بدعم الجيش اللبناني خلال فترة غير بعيدة، لافتة الى أهمية مسألتيْ آفاق الاستثمار الروسي في قطاع النفط والغاز في لبنان ودور الأخير كمعبر في عملية إعادة إعمار سورية والعراق.
وفيما لاحَظَ متابِعون لمحطة الحريري في روسيا أنها اكتسبتْ بروتوكولياً طابع «زيارة الدولة» وان الجانب الروسي تَعاطى معها بمنتهى الجدية على كل المستويات، وسط مناخات بالغة الإيجابية رشحتْ عن المحادثات وما تخلّلها من توقيع اتفاقات ثنائية، فإن بوتين وقبيل اجتماعه الثنائي برئيس الوزراء اللبناني (من دون الوفد الوزاري المرافق) شدد على أهمية تفعيل العلاقات مع لبنان لا سيما على صعيد التبادل التجاري، موضحاً ان البحث سيتناول الوضع في لبنان والمنطقة، ولافتاً الى «ان من المهم بالنسبة الى روسيا معرفة مواقف جميع القادة في المنطقة».
وبعد اللقاء مع بوتين، أكد الحريري «اننا تحدثنا عن أمور المنطقة وتوافقنا على أمور كثيرة ونحن بصدد ان نطور العلاقة الاقتصادية والسياسية لمصلحة البلد»، موضحاً ان البحث تناول في أحد جوانبه ترسيم الحدود بين لبنان وسورية.
ولفت الى أن بوتين «يؤيد جداً تحييد لبنان الذي نجح بحماية نفسه من كل التداعيات حوله والذي أظهر ان التفاهم السياسي سبيل الى الاستقرار».
وبعد انتهاء محادثاته، غادر رئيس الوزراء اللبناني روسيا عائداً الى بيروت التي ما زالت تعيش ارتدادات معركة الجرود ضدّ «داعش» وسط أجواء استقطاب مستعاد، وإن بقيت «منضبطة» تحت سقف التسوية السياسية، على خلفية سلاح «حزب الله» ومحاولة الأخير الدفع نحو تطبيعٍ مع النظام السوري في إطار «استثمار» ما يعتبره انتصاراً للمحور الايراني في المنطقة ولبنان.
وكان لافتاً ان رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، الذي كان أعاد الأحد الماضي وضع سلاح «حزب الله» في واجهة المشهد اللبناني من بوابة ضرورة إنهاء «ازدواجية السلاح»، يَمضي في ما يشبه المسار «الاستنهاضي» للخطاب المناهض للحزب والذي لم توفّر شظاياه ايران التي تولى جعجع امس الردّ على أمين المجلس الأعلى للأمن القومي فيها علي شمخاني، وتحديداً حديثه عن فضل «حزب الله» على الحكومة والجيش في لبنان، فقال: «أعتقد… ان ما قصده شمخاني هو ان (حزب الله) له الفضل الكبير على الحكومة والجيش في إيران نظراً للتضحيات الهائلة التي قدمها الحزب في سبيل ترجمة الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة بدءاً من سورية وليس انتهاءً باليمن. أما الفضل الأكبر للحزب فيعود على نظام الرئيس السوري بشار الأسد لأنه لولاه لكان سقط منذ بداية الثورة السورية».
ودخل على خط مناخات التجاذب الداخلي التي تتمحور أيضاً حول التحقيق الذي تمّ فتْحه في ملف أحادث عرسال 2014، الاحتفال الذي كانت دعت إليه وزارتا الدفاع والسياحة اليوم في وسط بيروت إحياءً لانتصار الجيش على «داعش» في الجرود والذي كان من المقرر ان يحضره رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، قبل أن يُعلن عن إلغائه «لأسباب لوجستية».
وتعددت القراءات في خلفيات هذا الإلغاء، بين مَن غمز من قناة عدم رغبة «حزب الله» بتظهير الالتفاف الشعبي حول الجيش، ومَن وضع القرار بسياق مخاوف من أعمال «انتقامية» من «داعش»، ومَن تحدّث عن خشية من خروج التباينات بين الرؤساء حول مسار معركة الجرود (صفقة «حزب الله» مع «داعش») والتحقيق في أحداث عرسال الى العلن، ناهيك عن إمكان طغيان الشعارات الحزبية.