اشارت الوكالة “المركزية” الى أنه فيما الاتصالات الدولية تتسارع على خط رسم تسوياتٍ طال انتظارها لأزمات المنطقة المتعددة، وقد حققت تقدما لافتا نحو هدفها وفق ما يقول مراقبون ومتابعون، لا يبدو لبنان، أو جزء منه على الاقل، مدركا لضرورة تحصين الساحة المحلية وحمايتها من أي تداعيات محتملة لهذه الحلول.
لكن في المقابل، قفز هذا الهمّ، في الآونة الاخيرة، مجددا، الى رأس سلّم أولويات رئيس الحكومة سعد الحريري. فبعد ان طالب منذ اندلاع الحرب السورية بتحييد لبنان عنها وبالنأي بالنفس عن مجرياتها، قرر اليوم وعلى مشارف ولادة الحل السوري المنتظر على يد “الأطباء” الروس، طرقَ أبواب القوة الدولية هذه، مطالبا إياها بإبعاد البلد الصغير عن أي صفقات او ارتدادات للتسوية الجاري العمل على إنضاجها. وقد لمس، وفق ما تقول مصادر مطّلعة لـ”المركزية” تفهّما وتجاوبا روسيين مع مطلبه هذا، حيث أشار الحريري نفسه الى أن الرئيس فلاديمير بوتين “يدعم بشكل كبير موضوع تحييد لبنان خصوصاً أنه تمكن من ان يحمي نفسه من كل التداعيات التي حصلت من حوله، وقد أظهر ان السبيل الى الاستقرار هو التفاهم السياسي الموجود فيه”.
وتلفت المصادر الى ان وانطلاقا من مقولة “عند تغيير الدول، إحفظ رأسك”، على لبنان ان يحتاط من رياح “التغيير” التي ستلفح المنطقة، فينفض الغبار مجددا عن مضمون خطاب القسم الذي أكد فيه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان “لبنان السائر بين الالغام لا يزال بمنأى عن النيران المشتعلة حوله في المنطقة (…) من هنا ضرورة ابتعاده عن الصراعات الخارجية ملتزما احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي، حفاظا على الوطن واحة سلام واستقرار وتلاق”، وعن البيان الوزاري ايضا الذي اعلنت فيه الحكومة اللبنانية التزامها سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية، فينضبط الافرقاء المحليون جميعُهم تحت سقفهما، حفاظا على المصلحة الوطنية العليا.
غير ان هاتين الوثيقتين ليستا وحدهما اللتان تضيئان على ضرورة حياد لبنان لتحصينه، تتابع المصادر، فهناك أيضا “إعلان بعبدا” الذي تحول وثيقة من الوثائق الرسمية في الامم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الاوروبي، والتي لا مفرّ من الالتزام بها، من دون أن ننسى ميثاق الـ1943 الذي تحدث عن حياد لبنان الايجابي وأكد انه مع العرب اذا اتفقوا وعلى الحياد اذا اختلفوا.
وفيما تتوقع ان يثير الرئيس عون هذه القضية (الحياد) في الجمعية العامة للامم المتحدة الاسبوع المقبل، تقول المصادر ان لا بدّ من التزام كل الأطراف اللبنانيين بقرار الحياد والنأي بالنفس، ذلك ان جزءا منهم لا يزال حتى الساعة يقاتل في الميادين العربية. وفيما يُرتقب ان يطالب رئيس الجمهورية من نيويورك بانشاء مركز لحوار الحضارات والثقافات والاديان في لبنان (على ان يرفق هذا الطلب بدراسة كاملة متكاملة عن المركز المرجو)، تعقّد خيارات بعض اللبنانيين وممارساتُهم هذه الخطوة وتضعف موقف العماد عون، ذلك انها تجرّ لبنان الى محور من المحاور المتصارعة ما يُفقده موقعه الوسطي الايجابي. وهنا، تقول مصادر سياسية تسنى لها الاطلاع على تفاصيل اجتماع الرئيس الحريري برئيس القوات سمير جعجع ليل أمس، لـ”المركزية” إن الرجلين اتفقا على التصدي لمخططات دفع لبنان الى التنسيق والتواصل مع النظام السوري وعلى السير في هذه المواجهة حتى النهاية “ومهما كانت كلفتها”.