كتب فادي عيد في صحيفة “الديار”:
كّل احتفال ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية في معراب، محطة أساسية على طريق تثبيت «القوات اللبنانية» قدرتها التنظيمية بشكل متواصل ومستمر من خلال مشهدية جامعة للكوادر القواتية ومروحة من الشخصيات السياسية الحليفة والقريبة منها. وبحسب مصادر نيابية قواتية، فإن احتفال هذا العام تميّز بأنه أتى بعد أقل من سنة على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وأقل من سنة على الإنتخابات النيابية المقبل، ومن هنا أتت مواقف عالية النبرة للدكتور سمير جعجع، حيث بات واضحاً أن السقف السياسي الذي وضعه في البعد السيادي كان مرتفعاً للغاية، وتحديداً لجهة الكلام حول محاولات بعض القوى السياسية داخل الحكومة، التمسّك والإصرار على التنسيق مع النظام السوري، مما دفع جعجع إلى قطع الطريق على هذه المحاولة، عبر الإعلان، وللمرة الأولى، بأن أي محاولات مقبلة سوف تدفع «القوات» والقوى الأخرى إلى المطالبة بإلغاء معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق وكل متفرّعاتها المتصلة بالمجلس الأعلى والإتفاقيات الصادرة عنها. وأشارت المصادر نفسها، إلى أن التذكير بتفجيري المسجدين في طرابلس وقضية ميشال سماحة والمطالبة بإطلاق المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، وترسيم الحدود مع سوريا، جاء ليضع حداً لمحاولات الضغط من أجل ربط النزاع حول ملف العلاقة مع سوريا، الأمر الذي لم يتحقّق منذ العام 2005، إذ كان يفترض بحكومات 14 آذار بعد انتفاضة الإستقلال أن تعمد إلى إسقاط هذه المعاهدة، وأن تقيم علاقات مبنية على أسس أخرى.
وأضافت المصادر النيابية القواتية، أن السقف المرتفع في خطاب جعجع الذي تناول ازدواجية السلاح، أراد من خلالها التأكيد أن الوقت قد حان، وتحديداً بعد معركة «فجر الجرود» لأن يسلّم «حزب الله» سلاحه للدولة اللبنانية، وخصوصاً أن هذا السلاح الذي يستخدم لأهداف إقليمية يستجلب نتائج سلبية إلى لبنان، ويوتّر العلاقات اللبنانية مع دول الخليج بشكل خاص. لكنها شدّدت في الوقت نفسه، على أن هذا التصعيد الكلامي لم يمنع الإصرار على أن «القوات اللبنانية» ستواصل معركتها داخل الحكومة اللبنانية لمكافحة الفساد الذي يحبط الشعب اللبناني، ويؤدي إلى ضرب الثقة بينه وبين الدولة، إذ شكّلت المناسبة فرصة للتأكيد من قبل جعجع أن عودة ثقة اللبنانيين بدولتهم تمر من خلال قوى سياسية قادرة على إعطاء هذه الثقة عبر تطبيق الدستور والقوانين.
وبالتالي، تؤكد المصادر النيابية نفسها، أنه على الرأي العام أن يتحمّل مسؤوليته في هذا المجال، لدى الذهاب إلى صناديق الإقتراع لانتخاب الجهات الكفيلة بتغيير الممارسة النمطية القائمة من زبائنية سياسية إلى الممارسة التي تحترم القوانين وتعطي الناس حقوقها بشكل عادل وواضح.
ومن هنا، فإن قداس الشهداء في معراب، قد شكّل محطة مفصلية بين مرحلتين، الأولى هي مرحلة التهدئة السياسية التي حفلت فيها حكومة سعد الحريري طوال الفترة الماضية، والثانية هي مرحلة التصعيد السياسي الذي ظهر في الأسابيع الأخيرة، إذ وجدت المصادر أن «القوات» سوف تذكّر اللبنانيين بالواقع الذي كان قائماً بين 8 و 14 آذار، وذلك لقطع الطريق على اي محاولة يقوم بها «حزب الله» للقضم التدريجي، وبالتالي، فإن مواجهة التصعيد ستكون وضع حد لمحاولة إعادة النظام السوري إلى لبنان.
في المقابل، وجدت أوساط سياسية مطلعة في 8 آذار، أن الرسائل «القواتية» العالية اللهجة يوم الأحد الماضي، لم توفّر أي طرف سواء كان حليفاً أم خصماً، معتبرة أن التوتر على جبهة العلاقة مع «التيار الوطني الحر»، هو المسبّب الأساسي وراء الحملة القواتية على الواقع الحالي. وأبدت الأوساط استياءً واضحاً من المنحى الذي يسلكه الخطاب السياسي اليوم، وذلك في المرحلة التي يعيش فيها اللبنانيون فرحة الإنتصار على الإرهاب بكل أشكاله.
وإذ طرحت الأوساط نفسها، تساؤلات حول العلاقة ما بين التصعيد «القواتي» وما تشهده الحكومة من اصطفافات داخلية على صعيد الموقف من ملفات عدة مطروحة، وليست كلها سياسية، قالت أن الخلاف السياسي بين معراب و«حزب الله» وفريق 8 آذار ليس جديداً وان مواقف الطرفين واضحة إزاء المواضيع المطروحة على مستوى العلاقة مع دمشق في الدرجة الأولى، وبالتالي، فإن معادلة التسوية السياسية بين أطراف الحكومة تبدو اليوم أكبر من أي حملات أو تصعيد، ومن الصعب أن تتأثر أجندة السلطة بأي انتقادات.