كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: يَمْضي لبنان في حركته باتجاه الخارج وعيْنه على الملفات الساخنة في المنطقة وشظاياها الدولية، من الأستانة السورية الى هجوم لندن وتفجير الناصرية جنوب العراق والتهديدات الصاروخية للحوثيين، وصولاً الى التداعيات المتواصلة لـ «أزمة قطر» والخطَر المتعاظِم لاستفزازات كوريا الشمالية.
وفيما يغادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بيروت غداً الى نيويورك لترؤس وفد لبنان الى الجمعية العامة للأمم المتحدة على أن يتوجّه في 25 الجاري الى باريس، دَهَمَ البلاد الهاجسُ الأمني من خلف ظهْر الانتصار الذي حقّقه الجيش على «داعش» في معركة الجرود قبل نحو 3 أسابيع نتيجة الخشية من عملياتٍ انتقامية لخلايا نائمة.
وشكّلت التحذيرات الأمنية التي أطلقتْها السفارة الأميركية لرعاياها في بيروت وبعدها السفارة الكندية فالبريطانية، إشارةً الى ارتفاعِ منسوب القلق لدى هذه الدول من مغبة حصول ردات فعل على تطهير لبنان جرودَه من التنظيمات الإرهابية، وهي الخشية التي لم تُخْفها أجهزة أمنية محلية كانت تحوّطتْ لكل احتمالات ما بعد معركة الجرود برفْع الجهوزية في ما خص العمل الأمني الوقائي الذي سبق ان حققتْ في سياقه إنجازاتٍ باهرة.
ورغم أن بيروت لم تتلقَّ من الولايات المتّحدة وكندا وبريطانيا معلومات أمنية محددة حول مبررات التحذيرات، إلا أن تزامُنها جعل من الصعب تجاهُل مضمونها وما تنطوي عليه من ارتفاع المخاطر الأمنية مجدداً في لحظةٍ مفصلية في الأزمة السورية خصوصاً، وسط إشارة أوساط مطلعة إلى أن هذه المخاطر لا تقتصر على لبنان، الذي نجح إلى حد كبير في تفكيك خلايا نائمة، بدليل ما شهدتْه لندن أمس من عمل إرهابي بالتزامن مع تحذيرات بريطانية لرعاياها في بيروت.
وأحدثتْ هذه التحذيرات دويّاً مع «كاتم صوت»، لا سيما أن السفارة الأميركية حدّدت «كازينو لبنان» كموقع مرشّح للاستهداف قبل ان تلاقيها السفارة الكندية داعية رعاياها إلى تجنّب زيارة هذا المرفق ومحيطه يوم 14 سبتمبر، وسط اطمئنانِ لبنان إلى «عيْنه الساهرة» ومضيّه في استراتيجية الأمن الاستباقي ولو أن أيّ دولةٍ لا يمكنها ضمان عدم إمكان حدوث أي خرق لأمنها بنسبة مئة في المئة.
وكان لافتاً وسط استحضار الهاجس الأمني مجدداً الزيارة التي قامتْ بها المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ للرئيس عون، وفيما جاءت هذه المحطة عشية مغادرة رئيس الجمهورية الى نيويورك، فقد نقلت خلالها كاغ تحيات الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس «والتهنئة بنجاح العملية العسكرية التي نفذها الجيش لتحرير الجرود عند الحدود الشرقية»، كما قدمت التعزية باستشهاد العسكريين في الجيش.
وتمّ خلال اللقاء عرْض لأبرز المواضيع التي سيتناولها عون في لقائه المرتقب مع غوتيريس في نيويورك، وذلك في ضوء القرارات الدولية التي تعنى بالشأن اللبناني، والتي كان آخرها التمديد لقوة «اليونيفيل» العاملة في الجنوب ومشاركة الجيش اللبناني معها في حفظ الأمن والاستقرار فيه.
وعكَس ما حمّله عون الى كاغ المَحاور الرئيسية لكلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كما للقاءات التي سيعقدها على هاشمها، اذ اعتبر ان الاجتماع مع غوتيريس «سيكون مناسبة للبحث في المواضيع ذات الاهتمام المشترك ولاسيما مطالبة لبنان بأن يكون مركزاً دولياً لحوار الحضارات والاديان، وضرورة التعاون مع المنظمات الدولية في ما خص المساعدات التي تقدم للنازحين السوريين والتي لا يتم تنسيقها مع الحكومة اللبنانية، بل توجه مباشرة الى النازحين»، الى جانب الخروق الاسرائيلية المتكررة للسيادة اللبنانية والشكوى التي قدمها لبنان الى مجلس الأمن.
ولم يحجب الاهتمام بمحطة عون المرتقبة في نيويورك الأنظار عن المشهد الداخلي الذي يعيش محاولة احتواء مزدوجة لملفيْن بارزيْن من شأنهما ان يلتحقا بعناوين أخرى إشكالية يمكن ان تسبّب «اضطرابات» سياسية مثل التطبيع مع النظام السوري. وهذان الملفان هما: ملامح «الكباش» الذي ارتسم على خلفية تلويح رئيس البرلمان نبيه بري بانتخابات نيابية مبكّرة بحال تكرّيس العجز عن السير بإصلاحات كاعتماد البطاقة الممغنطة والتلويح بانقلاب بحال اي تأجيل للانتخابات المقرَّرة في مايو 2018. وفي هذا السياق اعتُبر إقرار مجلس الوزراء تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات قبل انتهاء الفترة القانونية لذلك بوقت قصير إشارة بالغة الأهمية لطمأنة بري ومن خلفه «حزب الله» ومحاولة قطْع الطريق على المزيد من «النفخ» في قضية الانتخابات المبكرة.
والملف الثاني يتمثّل في التحقيق بأحداث عرسال 2014 في محاولةٍ لتحديد المسؤوليات عن خطْف رجال الأمن والعسكريين من قبل «النصرة» و«داعش» التي انكشف مع نهاية معركة الجرود انها أعدمتْ في 2015 آخر 8 عسكريين كانوا ما زالوا أسرى لديها. وقد برزتْ مؤشرات الى رغبة في سحْب التحقيق الذي بدأ من دائرة التجاذب السياسي وحصْره بالجانب القضائي والعسكري الأمر الذي من شأنه تبريد مناخ التشنّج الذي رافق التصويب على رئيس الحكومة السابق تمام سلام والقائد السابق للجيش العماد جان قهوجي.
وإذ برز اللقاء، الذي عُقد ليل أول من أمس، بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع والذي تخلله تَوافُق على خريطة طريق التعاطي مع الملفات السياسية والاقتصادية في المرحلة المقبلة، كانت لافتة الرسالة الجوابية التي تلقاها جعجع من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أمِل «ان تكون الانتخابات النيابية في مايو 2018 مناسبة لعودة العمل الطبيعي الى جميع مؤسسات الدولة»، مشدداً على ان فرنسا «ستستمر بالوقوف الى جانب لبنان، ولن تألوَ جهداً لتقوية جيشه في حربه ضد الإرهاب كي يبسط سلطته على كامل الأراضي اللبنانية»، ومشيراً إلى «أننا نتشارك القناعات ذاتها لجهة ضرورة احترام لبنان لالتزاماته الدولية، وتحديداً القرارين 1559 و1701، اللذين يجب ان نسعى الى تنفيذهما كاملين لتجنيب لبنان تداعيات صراعٍ جديد».
على صعيد آخر، دعت السفارة الفرنسية في بيروت رعاياها إلى «تنبّه استثنائي عند ارتياد الأماكن العامة في لبنان «نتيجة وجود خطر أمني خلال الساعات» المقبلة.