اليوم، واستنادا الى معطيات سياسية دولية، تبدو الحرب متجهة الى نهايتها، بما يعني مبدئياً ان مشروع اعادة الاعمار أصبح وشيكاً، وبالتالي، اذا كانت الحكومة اللبنانية جادة في الافادة من الفرصة، عليها ان تباشر التحضيرات للعب دور المنصة.
في كل الاحوال، هذا المشروع منذ بداياته لم يكن فكرة محلية، بل خارجية جرى التحضير لها منذ سنوات. وحصلت زيارات غير مُعلنة في تلك الحقبة، لمبعوثين من البنك الدولي وصندوق النقد، الى لبنان، حيث زاروا الشمال واطّلعوا على الاوضاع اللوجستية، وعلى قدرات البنى التحتية.
في هذا السياق، يمكن تسجيل اهتمام صيني لافت في الحصول على موقع متقدم في هذا المشروع.
ربما لأن بكين تدرك أن قسماً كبيراً من المواد الاولية التي سيتمّ استيرادها لمشروع اعادة الاعمار سيكون مصدرها المصانع الصينية. كذلك، تدرك بكين ان موقفها السياسي في الأزمة السورية يساعدها على الحصول على حصة جيدة في المشروع الذي تصفه منظمات دولية بأنه الأضخم في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
في المقابل، تتحكّم روسيا بجزء كبير من قرار توزيع الحصص في هذا المشروع الضخم. ورغم ان اهداف موسكو في سوريا تتجاوز مسألة الافادة اقتصادياً، الا ان ذلك لا يمنع ان امتلاك القرار السياسي يسمح بالتحكّم نسبياً في القرارات المالية والاقتصادية. والمؤشر المهم في هذا الموضوع قرار اكبر شركة نقل بحري روسية «أوبورونلوجيستيكا» اعتماد مرفأ طرابلس كنقطة مركزية لها في المنطقة.
هذا القرار عبّر عنه بوضوح رئيس الشركة خلال زيارته طرابلس من خلال تحديده لدور المرفأ بالقول: ان الشركة ستدخل المرفأ (طرابلس) على اساس انه يصلح لدورين اساسيين: الأول يتعلق بإعادة إعمار سوريا، والثاني ان يكون مركزا اقليميا «في عمليات النقل والشحن الى العراق والسعودية وكل البلدان العربية».
هذا الكلام الواضح يعني ان روسيا كرّست لبنان منصة لاعادة اعمار سوريا، ومنصة تجارية للمنطقة العربية. وليس خافياً على أحد ان قرارات الشركات العالمية على مستوى شركة النقل الروسية لا يُتخذ في معزل عن التشاور وربما التوجيهات من السلطة السياسية المعنية.
في عودة الى لبنان، تبدو السلطة السياسية مُربكة. أصدقاء النظام السوري يستفيدون من مشروع اعادة الاعمار للضغط في اتجاه اعادة تزخيم العلاقات السياسية بين البلدين، وخصوم النظام يقاومون الضغوط ويرفضون الخضوع للأمر الواقع. لكن، اللافت ان الطرفين، يتفقان على اهمية ان يكون لبنان منصة لاعادة اعمار سوريا.
هذا الوضع الشاذ، لن يؤدّي الى فقدان لبنان فرصة ان يكون منصة اقليمية، لأن القرار في هذا المجال خارجي وليس محلياً، لكنه قد يضيّع على الشركات والمستثمرين اللبنانيين فرصة تكبير حصتهم في هذا المشروع الذي سيدرّ اموالاً طائلة. وهناك تحضيرات كثيرة ينبغي انجازها، شرط ان يتوفّر مناخ سياسي ملائم.
هل يمكن الوصول الى صيغة تفاهم داخلي لتحييد مسألة افادة لبنان واللبنانيين من الفرصة المتاحة، بعيداً من الاستغلال السياسي للملف؟
حتى الان، لا توجد بوادر ايجابية في هذا الاتجاه، ولو ان رئيس الحكومة سعد الحريري قال بنفسه ان لبنان سيكون منصة لاعادة اعمار سوريا.
الوصول الى تحييد السياسة عن المشروع الاقتصادي ليس سهلاً، خصوصاً ان النظام في سوريا يستغل بدوره هذا الواقع للاستثمار السياسي.