Site icon IMLebanon

“سباق مكتوم” في لبنان على تخوم المرحلة الانتقالية في سورية

 

 

 

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

بمغادرةِ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بيروت أمس إلى نيويورك، يَستكمل لبنان تفعيل حضوره الدولي – الإقليمي على وهج الانتصار الذي حقّقه جيْشُه بطرْدِ بقايا الجماعات الإرهابية من على حدوده الشرقية مع سورية، وسط مناخٍ داخلي ينطوي على ملامح تنافُسٍ، ولو مكتومٍ، بين اتجاهيْن: واحد يستعجل تكريس التحاق لبنان بالمحور الإيراني وآخر يحاول جعْله شريكاً للمجتمع الدولي في ملاقاة اللحظة الانتقالية في الأزمة السورية من تثبيت مناطق خفْض التوتر الى إطلاق الحلّ السياسي.

وتشكّل إطلالة عون من نيويورك حدَثاً مهماً باعتبار أنها المرة الأولى منذ أربعة أعوام يتمثّل لبنان في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة برئيس الجمهورية بفعل الفراغ في سدة الرئاسة الذي ساد منذ مايو 2014 وحتى اكتوبر 2016، علماً أن المشاركة الأخيرة على مستوى رأس الدولة كانت في سبتمبر 2013 مع الرئيس ميشال سليمان الذي نجح في توفير الأرضية لقيام مجموعة الدعم الدولية للبنان.

وإلى جانب محادثاته المرتقبة مع عدد من رؤساء الوفود المشارِكة في اجتماعات نيويورك، يلقي عون الخميس المقبل كلمة لبنان التي يفترض أن تركّز على مقاربته لأزمات المنطقة ومتطرّقاً الى النجاح الباهر للجيش اللبناني في مواجهة «داعش» ودوره في هزيمته كما لم تفعل أي دولة، اضافة الى الإضاءة على ملف النازحين السوريين وإطلاق مبادرة لجعل لبنان مركزاً لحوار الحضارات وإدانة تهديدات اسرائيل وخروقها المتمادية.

وفي حين تتجه الأنظار الى الزيارة المرتقبة لعون الى باريس في 25 الجاري لإكمال استطلاع الأفق الدولي لأبرز أزمات المنطقة وتأكيد حاجة لبنان الى الدعم لجيشه والتصدي لملف النازحين، تتصاعد في بيروت المؤشرات الى سباقٍ بين رغبة «حزب الله» في دفْع لبنان الى مسارٍ يكرّسه جزءاً من الحور الإيراني عبر بوابة التطبيع الرسمي مع النظام السوري، وبين سعي خصوم الحزب وخصوصاً رئيس الحكومة سعد الحريري وحلفائه الى توفير ما يشبه «شبكة أمان» دولية، عبّرتْ عنها زيارته لروسيا بالدرجة الأولى بعد واشنطن وباريس، تضع أي مقاربة لبنانية للحلّ السياسي في سورية – حين يحصل – ونتائجه في سياق توازنات دولية وإقليمية بما يحميه من دفْع أثمان اي مقايضات في لحظة التسويات ويجعله من الجالسين على الطاولة وليس «طبَقاً» عليها.

ومن مؤشرات هذا السباق دفْع «حزب الله» بملف التطبيع مع النظام السوري إلى الواجهة مجدداً وبقوةٍ من خلال كلامٍ عالي النبرة لنائبه نواف الموسوي الذي رسم معادلة واضحة وضعها برسم مجلس الوزراء، قائلاً: «نريد علاقات مع سورية (وفق معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق) وأن تتم ترجمتها عبر المؤسسات الدستورية، وإذا قلتم إنها مسألة خلافية ولنتركها جانباً، سنطالب بقطع العلاقات مع السعودية لأنها مسألة خلافية أيضاً». وأضاف: «أما أن نُبقي لجهةٍ تقيم علاقاتها مثلما تريد مع الجانب السعودي، في حين أن هناك تياراً وجبهة واسعة في البلد تريد أفضل العلاقات مع سورية ولا يتحقق هذا الموضوع من خلال المؤسسات الدستورية، فهذه المؤسسات ليست ملكاً لأحد».

وفي موازاة رفْع «حزب الله» سقف الهجوم، مع بُعدٍ تخويني، على خصومه الذين انتقدوا الصفقة التي أبرمها مع «داعش» ووفّرت انتقال إرهابيي التنظيم الى دير الزور مقابل استعادة أسيره الحيّ أحمد معتوق، برز «تسييسُ» وزيره في الحكومة (للشباب والرياضة) محمد فنيش التحذيرات التي أطلقتْها في اليومين الماضييْن سفارات الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا لرعاياها في لبنان من إمكان حصول أعمال ارهابية وشيكة، في إيحاءٍ بأن هذه التحذيرات تنطوي على خلفياتٍ تتصل بالتقليل من شأن الانتصار الذي تحقق بوجه «داعش» و«النصرة».

وأعلن فنيش انه «وصل الأمر لأن يوجِدوا حالة بلبلة في لبنان، حيث تُنبِّه بعض السفارات جالياتها لأن يحذروا ولا يتجولوا فيه، رغم أن لبنان هو اليوم آمِن أكثر من باريس ولندن وواشنطن وبروكسيل، بل قد يكون الأكثر أمناً في العالم، إلا أنه ومع ذلك هناك تَعمُّد لإثارة هذا القلق، وإلا إذا كانت هناك معلومات فلتعط للأجهزة الأمنية ولتؤد دورها بلا كل هذا الضجيج، ولكن بات واضحاَ أن هناك من يريد دائماً ألا يشعر أبناء هذا البلد بالطمأنينة والاستقرار ولا أن يكون هناك مردود إيجابي اقتصادي».

واللافت ان رئيس الجمهورية كان أصدر قبيل مغادرته بيروت بياناً أشار فيه إلى أنَّه «في الآونة الأخيرة، تكثفت شائعات تستهدف ثقة المواطنين بمؤسساتهم، من زرع الشك باستقرار العملة الوطنية، إلى اتّهام بعض أركان الدولة بالفساد، إلى استهداف الجيش في عزّ مواجهته مع الارهابيين، وصولاً إلى نشر أجواء من الخوف والقلق عبر الحديث عن توقّعات لعمليات إرهابية».

ورأى أنَّ «كل ذلك يأتي في سياقٍ مبرمجٍ لصرف الأنظار عن الإنجازات المحققة على طريق بناء الدولة، وهذا الأسلوب صار مفضوحاً ويتكرر عند كل إنجازٍ وطني كبير مثل الانتصار الذي تحقق على الارهاب، وذلك للتشكيك بالقدرة على بناء الدولة». ونبَّه اللبنانيين من هذا «المخطَّط الهدَّام»، داعياً إياهم إلى «اليقظة وعدم الانجرار وراء الإشاعات أو تردادها، ولتكن ثقتهم كبيرة بدولتهم ومؤسساتها كافة».

وجاء بيان عون غداة موجة إشاعات تم تداولها بكثافة عبر وسائل التواصل الاجتماعي و«واتساب» حذّرت من هجمات إرهابية قد تستهدف مراكز تجارية وسياحية وتجمّعات سكانية مستغلّة بيانات السفارات ما اضطر الجيش اللبناني الى دعوة المواطنين إلى «عدم الأخذ بشائعاتٍ كهذه»، مُطَمئناً إلى أنّ وحدات الجيش «اتخذت كافة التدابير الأمنية الاحترازية لترسيخ الأمن والاستقرار».