كتبت رولا حدّاد
في وطني زعماء بالوراثة مذ ينزلون من أرحام أمهاتهم. لا همّ إن كان هذا الولد مؤهلا أم غير مؤهل. يكفي أنه ابن فلان ليصبح “وريث” زعامته ومقعده النيابي والوزاري. ويكفي أن يكون ابن فلان ليحصل على “المبايعة” من جمهور لا يعرف من السياسة غير شعار “بالروح بالدم نفديك يا زعيم”.
في وطني تُنحر الديمقراطية على يد الإقطاعية الحزبية تحديداً لا العائلية. فالأحزاب يُفترض أن تواجه الإقطاعية العائلية وتكسرها أوتستوعبها وتطوّرها، لا أن تنتج هذه الأحزاب إقطاعية جديدة. ولكن الأمر في لبنان يختلف، والأحزاب التي تطالب بالديمقراطية على الصعيد الوطني ترفض أن تمارسها ضمن أطرها الحزبية في أكثريتها الساحقة. في الحزب التقدمي الاشتراكي تنتقل الرئاسة من الأب إلى الابن بسلاسة تامة. كذلك الأمر في أحزاب “الكتائب اللبنانية” و”الوطنيين الأحرار” و”المردة”. وفي “التيار الوطني الحر” انتقلت من الأب إلى الصهر تماماً كما في تيار المستقبل. وثمة أحزاب لم تنتقل فيها السلطة بالتوريث لأن أي انتقال ديمقراطي للسلطة لم يحصل بعد من أساسه.
ماذا ينتج عن كل ما تقدّم؟ ينتج أن الأحزاب تحوّلت إلى مجموعة مساهمين في سلطة لاديمقراطية، تسخّر النظام البرلماني الديمقراطي لخدمة مصالحها. تتبادل الخدمات في ما بينها. تعطّل الديمقراطية والانتخابات، وتسخّر الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقضائي والأمني لخدمة مصالحها.
تختلف في ما بينها فتتبادل الشتائم، ثم تتفق على تقاطع المصالح فتسقط الخلافات والاتهامات، وكأن شيئاً لم يحصل، وكتاب “الإبراء المستحيل” لا يزال حياً في ذاكرة اللبنانيين رغم كل المحاولات لطمسه.
وبسبب تقاطع المصالح بين الأحزاب، تتأمّن الحمايات السياسية لجميع الفاسدين والمفسدين، الذين يعرف كل منهم كيف يحمي نفسه لدى حزب أو طائفة.
هي تركيبة مافوية غريبة عجيبة. لسنا نعمّم على الإطلاق، لكن هذا الواقع يمثل أكثرية المشهد السياسي في لبنان، إلى درجة أن أي محاولة لكسر هذه التركيبة لا يُكتب لها النجاح!
هنا كل المشكلة، فالأساس بالنسبة إلى هذه التركيبة ليست مصلحة لبنان بل حماية مصالحها في لبنان، وإن اقتضى الأمر أن تتعامل مع أي كان على حساب المصلحة الوطنية.
هل كل ما تقدّم يعني ضرورة الاستسلام؟ حتما لا. فثمة رجالات في لبنان، في بعض الأحزاب وخارجها، لم تيأس ولم تستسلم. والمطلوب ألا يرضخ اللبنانيون للطبقة التي تحكمهم بمبررات واهية، وهي أثبتت عجزها الفاقع، سواء في المحافظة على السيادة والحرية والاستقلال، وسواء في بناء دولة حديثة متطورة بعيداً عن الفساد.
والحل؟
حطّموا تماثيل زعمائكم. مزقوا صورهم شرّ تمزيق. أنزلوهم من عروشهم ومراتبهم الإلهية. أعيدوهم بشراً يخطئون وأخضعوهم للمحاسبة والمساءلة. أعيدوهم مجرّد سياسيين يصيبون ويخطئون، فعصر الزعماء الخالدين انتهى في كل الدول المتقدمة، ولم يبقَ إلا في الدول المتخلفة. مسؤولية رفع لبنان من مصاف الدول المتخلفة في يدي كل منكم، فهلمّوا إلى الثورة ضد “الزعماء- الآلهة” لكي تحصدوا وطناً ودولة ومؤسسات وديمقراطية!