خَلط رئيس مجلس النواب نبيه بري أوراقَ الاستحقاق النيابي بإعلانه أنّ كتلته قدّمت اقتراح قانون معجّل مكرّر بتقصير ولاية المجلس حتى نهاية السنة الجارية وإجراء الانتخابات ببطاقة الهوية أو جواز السفر خلال ثلاثة أشهر، ما طرَح علامات استفهام كثيرة وكبيرة حول مصير هذا الاستحقاق، وما يدور حوله في الكواليس بين مختلف القوى السياسية.
خلفية هذا الاقتراح والتي يكشفها معنيون هي أنّ رئيس المجلس امتلكته منذ اسابيع خشيةٌ كبيرة على مصير الانتخابات، وهو يرى انّ بعض القوى السياسية يتحايل على موضوع إنجاز البطاقة الانتخابية الممغنطة المنصوص عنها في قانون الانتخاب، وكأنها ترغب بالتملّص من الانتخابات والذهاب الى تمديد جديد لمجلس النواب بذريعة عدم التمكّن من تأمين هذه البطاقة قبل حلول الموعد الانتخابي، إذ إنّ العدد المقدّر إنجازه من هذه البطاقة يبلغ أكثر من ثلاثة ملايين و800 ألف بطاقة.
وقد ازدادت الخشية لدى رئيس المجلس بسبب انقضاء اربعة اشهر على إقرار قانون الانتخاب وعدم تمكّنِ الجهات المعنية من إتمام الخطوات التنفيذية لإنجاز البطاقة الممغنطة قبل موعد الانتخابات في أيار 2018.
وفضلاً عن ذلك، يقول هؤلاء المعنيون، فإنّ بري لم يرتح الى ما قرّره مجلس الوزراء أمس الأول من تحويل بطاقة الهوية بطاقة بيومترية واستخدامها بطاقة انتخابية، فهذا القرار يناقض ما هو منصوص عنه في المادة 84 من قانون الانتخاب والتي تقضي بإصدار بطاقة ممغنطة خاصة بالانتخابات ولم تقضِ بتحويل بطاقة الهوية التي يحملها اللبنانيون بطاقةً بيومترية أو حتى غير بيومترية.
وما لم يرتح بري اليه ايضاً هو أنّ مجلس الوزراء قرّر إنجاز بطاقة الهوية البيومترية المتعددة الاستخدامات، وليس للانتخابات فقط، بموجب «عقد بالتراضي»، وليس وفق «مناقصة»، فإذا كان مجلس الوزراء والمعنيون قد برّروا هذا «التراضي» بضيق الوقت لأنّ «المناقصة» تتطلب وقتاً طويلاً فيما البلاد باتت على مسافة سبعة اشهر من الانتخابات، فإنّ بري وأفرقاء سياسيين آخرين لم يستسيغوا «التراضي» في تلزيم إنجاز البطاقة لِما قد يثيره من إشكالات وشبهات وتشكيك هنا وهناك وهنالك في شفافية العملية وصدقيتها.
ولذلك، يضيف هؤلاء، فإنّ كتلة «التنمية والتحرير» وبناءً على توجيهات رئيسها، بادرَت الى تقديم اقتراح قانون معجّل مكرر بتقصير ولاية المجلس الى 31 كانون الأول المقبل وإجراء الانتخابات خلال ثلاثة اشهر وتعتمد فيها بطاقة الهوية أو جواز السفر لتلافي الوصول الى ايار المقبل بلا انتخابات، ما يفرض الذهاب عندها الى تمديد ولاية المجلس مجدداً، بسبب عدم تمكّنِ الادارات المختصة من إنجاز البطاقة الانتخابية الممغنطة او البيومترية قبل الموعد الانتخابي، وفي اختصار يؤكّد معنيون انّ بري يقول للجميع من خلال اقتراح كتلته «تعالوا لنجريَ الانتخابات هذه المرة ببطاقة الهوية أو جواز السفر لأنّ الوقت المتبقّي من الولاية النيابية الممدّدة لم يعد كافياً لإنجاز البطاقة الممغنطة أو البيومترية وذلك لتلافي التمديد للمجلس لأنه لم يعد جائزاً، ولتستسمرّ وزارة الداخلية في عملها لإنجاز البطاقة البيومترية بحيث تجرى الانتخابات المابعد المقبلة على أساسها»..
موقف بري هذا لاقاه وزير الداخلية نهاد المشنوق بالتذكير أنّه «لم يكن متحمّساً» للبطاقة الممغنطة، وأنّه «سجّل اعتراضَه عليها في محضر جلسة مجلس النواب يوم إقرارها، لإداركه صعوبة تنفيذها».
وكذلك أشار الى انّ المادة 84 من قانون الانتخاب التي نصّت على إحداث هذه البطاقة «لم تقترحها وزارة الداخلية، بل أجمعت القوى السياسية في حينه على إقرارها، وألزمت وزارة الداخلية بتنفيذها».
وبرّر المشنوق قبوله «العقد بالتراضي» لإنجاز البطاقة البيومترية بالقول إنه وقوى أساسية في الحكومة صوّتوا ضدّه و«لكنّهم وافقوا عليه تحسّباً من استحالة تطبيق المادة 84 من قانون الانتخابات».
إذ إنّ عدم إنجاز هذه البطاقة سيَحول دون إجراء الانتخابات في موعدها وبالتالي التمديد للمجلس مجدداً، وهو تمديد كان ولا يزال يدغدغ احلامَ بعض القوى السياسية التي تشعر بالضعف او الوهن الانتخابي في هذه المرحلة.
ويؤكّد بعض النواب أنّ بري رمى حجراً كبيراً في «البحيرة الانتخابية»، اذا جاز التعبير، فأحدثت وستُحدث تردّدات كثيرة على مختلف المستويات، وربّما شهدت الساحة السياسية نزاعاً بين مؤيدين تقصيرَ الولاية النيابية الممددة وبين معارضين له ربما يستبطنون رغبة الهروب من خوض الاستحقاق النيابي الآن والدفع الى تأجيله الى حين ترميم اوضاعهم التمثيلية والانتخابية لضمان فوزِهم بالعدد الذي يَطمحون إليه من المقاعد النيابية، وهذا الترميم لا يؤمّنه إلّا وقتٌ طويل سيستغرقه إنجاز البطاقة البيومترية كلياً، إذ لا يمكن إجراء الانتخابات إلّا بعد تأمين هذه البطاقة لجميع الناخبين، فحتى ولو حلّ موعد الانتخاب وبقيَ مئة الف ناخب بلا بطاقة انتخابية لا يمكن في هذه الحال قانوناً إجراء الانتخابات.
كذلك فإنه اذا لم يقرّ اقتراح كتلة «التنمية والتحرير» بتقصير الولاية، فإنّ الجميع سيكونون محكومين بالتزامها حتى نهايتها في 21 أيار 2018، واذا حلّ موعد الانتخاب ولم تكن البطاقة الانتخابية البيومترية منجزة فسيكون الجميع عندئذٍ مجبَرين على إقرار تمديد جديد، ما زال بعض القوى السياسية يتمنّاه لعدم امتلاكه بعدُ اسبابَ القوة لخوض انتخابات ناجحة.
في أيّ حال يقول معنيون بالاستحقاق النيابي إنّ هذا الاستحقاق باتت تتجاذبه ثلاثة خيارات:
أولاًـ تأجيل الانتخابات، ما يعني تمديد جديد للمجلس الى حين إنجاز البطاقة الانتخابية الممغنطة.
ثانياًـ تقصير للولاية، ما يعني إجراء الانتخابات هذا الخريف بموجب بطاقة الهوية أو ما يعادلها.
ثالثاًـ إستعجال الإجراءات والخطوات التنفيذية لإنجاز البطاقة الانتخابية الممغنطة، وهذا الأمر غير مضمون زمنياً، سواء بـ«التراضي» أو بـ«المناقصة».