مع العودة إلى المدرسة، تكثر الشكاوى من وزن الحقيبة المدرسية. ففي الوقت الذي لجأت فيه بعض المدارس إلى اعتماد الألواح الإلكترونية لتعليم الطلاب، لا تزال مدارس كثيرة تلجأ إلى الكتاب الورقي لتعليم الأطفال. وهو ما يرهق الصغار المضطرين لحمل حقيبة تكاد تزن عشرات الكليوغرامات. تلك الكليوغرامات التي لا أحد يعرف كيف يتحمل طفل في عمر صغير كيف يتعامل معها في ظلّ نظام تعليمي لا زال يفرض الحقيبة المدرسية بما فيها ضمن أولوياته.
لا يأبه ذلك النظام لما قد تسبّبه تلك الحقيبة من مخاطر صحية جسيمة قد تصل إلى حدّ “التواء العمود الفقري للأطفال الصغار”. وهي خلاصة مؤسفة خرجت بها دراسة طبية، قام بها مؤخراً عدد من الأطباء من مستشفى نيويورك مورس ستانلي للأطفال. ففي هذه الدراسة التي نُشرت نتائجها مؤخراً، يحذّر الطبيب جوشوا هيمان من حمل الأطفال لأوزانٍ ثقيلة، مؤكداً أن “وزن الحقيبة الدراسية المثالي يجب ألا يتعدى بمحتوياتها عن أكثر من 15% من وزن جسم الطفل”. أما ما يحصل اليوم في مدارسنا، فهو أن الحقيبة المدرسية تزن ما بين 25 إلى 40% تقريباً من وزن الطفل. هكذا، وبمعادلة بسيطة، سيحمل الطفل وزنه ووزن حقيبته. فعلى سبيل المثال، إذا كان وزنه 30 كيلوغراماً، فمعدل ما يحمله على ظهره يتراوح ما بين 10 كيلوغرامات و14 كيلوغراماً.
أكثر من ذلك، ذكرت دراسة أخرى نشرت مؤخراً في النمسا، أن “أمراضاً وتشوّهات في العمود الفقري والمفاصل قد ظهرت بين تلامذة المدارس نتيجة لعدد الكتب التي يحملونها من وإلى المدرسة”. وأحصت الدراسة “مجموع ما يحمله الطفل النمساوي سنوياً من الكتب والدفاتر بما يعادل 2 و3 أطنان”!
لهذا السبب، دعا هيمان الأهل إلى ضرورة الالتفات لبعض المسائل المتعلقة بشكل الحقيبة عند الشراء، مفضّلاً أن تكون “تلك المزودة بالأشرطة الواسعة والمبطنة لمنعها من إتلاف الكتفين وتقليل الحمل على العامود الفقري”.
كلما كبر “الكيس” زاد الحمل
يورد موقع “ويب طب”، استناداً لدراسة طبية أميركية، أن “نصف التلامذة في العالم يعانون، على الأقل، من آلام الظهر قبل سن الرابعة عشر”. ويضيف أن ثمة أطباء يبلغون عن ارتفاع في حالات تشوهات العمود الفقري لدى التلامذة، بما في ذلك تشوه الانحرافات المعروفة باسم “الجنف”.
وفي هذا الإطار، يقول خبراء صحة الأطفال إنّ الضرر لا يتوقف عند “عمر المدرسة”، ويمتد على المدى الطويل والدائم، ففي نهاية المطاف، إذا ما كان التلميذ يحمل بانتظام أكثر من 15% من وزن جسمه على أكتافه، ستظهر مضاعفات ذلك مع الوقت. وأكثر من ذلك، إذا كان الأطفال يشعرون بآلام الظهر سيستمر معهم حتى عمر الشباب وسيكمل حتى بلوغهم عام السبعين والثمانين! وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى “تكلفة” جسدية ومادية ونفسية هائلة.
الشباب هناك احتمال أنهم سوف يظلون كذلك لـعمر 70 إلى 80 سنة، الأمر الذي يؤدي إلى تكلفة مادية ونفسية هائلة . وتكون الكلفة أكبر عندما “يتعلم” الأطفال حمل حقائبهم على كتف واحد أو بحملها على الكوع، وهو ما يرتّب ضغطاً كبيراً على العمود الفقري. أضف إلى ذلك، هناك الكثير من الحقائب المستخدمة كبيرة الحجم. وغالباً ما تكون ضعف حجم الظهر، وكلما “كان الأطفال لديهم أكياس أكبر، فإنهم يميلون إلى ملئها”. وهنا، يكمن دور الأهل في التوعية إلى تلك المخاطر، والتنبه لما يحمله أطفالهم، بحيث يقتصر على ما يحتاجون له فقط لليوم التالي وضمان ارتداء الحقيبة على كلا الكتفين.
مضار الحقيبة المدرسية
مما لا شكّ فيه أن حمل ثقل زائد في الحقيبة المدرسية يعرّض الأطفال لآلام في الرقبة والذارعين والكتفين والظهر وحتى القدمين.
لكن، لا يتوقف الضرر عند هذا الحد، إذ إن للوزن الزائد مضاعفات أخرى منها:
ـ التسبب، أحياناً، بالضغط على القلب والرئتين نتيجة تشوه الهيكل العظمي والعمود الفقري الذي يصبح على شكل حرف”C”، مما يستلزم عملاً جراحياً. ولذلك يحذّر الأطباء من حمل الأطفال لتلك الحقائب الثقيلة وبخاصة على أحد الكتفين، إذ إن احتمال إصابتهم بأمراض الظهر حينها يصبح 30%، في حين أن الاحتمال يتناقص إلى 7% فقط في حال حملها على كلا الكتفين.
ـ يؤدي حمل الحقيبة على كتف واحدة انحناء جانبياً، وقد يؤدي إلى سير الطفل بطريقة غير طبيعية ومختلة.
ـ من نتائج الثقل الزائد في الحقيبة المدرسية أنه يؤدي إلى استدارة الظهر إلى الأمام أو تحدّبه، مما يؤثّر على شكل الجسم بصفة عامة وعلى العظام والحركة بصفة خاصة.
إلى ذلك، يمكن للحقيبة الثقيلة بشكل مفرط أن تؤدي إلى التقريب بين الكتفين والتشويه في وسطهما وتشويه منحنيات الظهر من أسفل وزيادة خطر السقوط.
التناوب ما بين الكتف الأيمن والآخر الأيسر
قامت بعض الدول بإلزام المدارس بإجراءات وقائية، في حين قامت أخرى بسن قوانين لحماية الأطفال، بحيث لا تسمح أن يحمل الطفل ثقلاً يزيد على 10% من وزنه. فمثلاً، تحظر هذه القوانين حمل الفتيات تحت سن العاشرة أكثر من وزن 5 كيلوغرامات في الحقيبة المدرسة. ولتجنب الآثار والنتائج السلبية لهذه الحقيبة ينصح الأطباء الأهل القيام ببعض الإجراءات الوقائية:
ـ أن يحمل التلميذ إلى المدرسة الكتب المقررة في يوم الدوام، أي الكتب التي يحتاج لها فقط.
ـ أن يحمل حقيبة تتناسب مع حجمه ووزنه وأن ينقل الحقيبة في أثناء سيره من يده اليمنى لفترة إلى يده اليسرى لفترة أخرى، ثم يحملها على ظهره لفترة ثالثة وذلك للحفاظ على تناسق الجسم وتوازنه.
ـ عمل تمرينات لجميع أعضاء الجسم ولمدة 20 دقيقة من الجلوس على مقعد وسند الظهر إلى الوقوف وثني اليدين على الصدر وتشبيك اليدين خلف الظهر والتعلق على الحائط مع سند الظهر وغيرها من التمارين.