كتبت صحيفة “الشرق الأوسط”: يستغرق الدخول إلى ضاحية بيروت الجنوبية ساعتين عند المساء، ذلك أن مداخل الضاحية تقلصت بعد إغلاق المداخل الفرعية، بدءا من مساء الخميس بسبب إجراءات أمنية كثيفة انطلقت مع أولى ليالي إحياء مناسبة عاشوراء، في خطة أمنية تشترك فيها السلطات الأمنية والعسكرية الرسمية، مع اتحاد بلديات الضاحية و«حزب الله»، بهدف منع الخروقات الأمنية، و«تحصين» إنجازات تم تحقيقها على الحدود الشرقية في المعارك ضد التنظيمات المتشددة.
معظم الطرقات المؤدية إلى الضاحية، مركز نفوذ «حزب الله»، مقفلة عند المساء. تتجمع عشرات السيارات عند حواجز الجيش والقوى الأمنية، حيث تخضع لتفتيش دقيق. وصار العابرون إلى الضاحية، ملزمين بسلك معابر محددة، تتولى القوى الأمنية الرسمية التفتيش فيها والتدقيق بهويات العابرين.
وعلى بُعد عشرات الأمتار منها، توجد سيارات الشرطة التابعة لاتحاد بلديات الضاحية. العناصر هنا يرشدون العابرين لعبور طرقات بديلة، بعد إغلاق الطرقات من نصفها.
المشهد نفسه يتكرر في الشوارع الفرعية، لكن عناصر من «حزب الله» يتولون التدقيق بهوية العابرين. تشير إليهم شارات صفراء يربطون بها أكتافهم، تحمل شعار الحزب. ويقفون إلى جانب عوائق حديدية تم إقفال الطرقات فيها. يقول أحد العناصر إن عبور السيارات إلى أحد الشوارع «ممنوع»، موضحا أن هناك «مجلس عزاء يقام في الشارع»، بينما تقف امرأة داخل غرفة مستحدثة، مغطاة بستائر، ترشد النساء إلى الدخول عبرها، حيث يتم تفتيشهن أيضاً.
تلك الإجراءات تتكرر منذ أربع سنوات على التوالي، حينما بدأت التفجيرات تستهدف الضاحية الجنوبية، إثر انخراطها في الأزمة السورية. ورغم أنها كانت في العام الماضي أقل صرامة، فإن مضاعفتها هذا العام تشير إلى مخاوف جدية من استهداف أكبر التجمعات البشرية لدى الطائفة الشيعية في لبنان، حيث يتجمع مئات الآلاف يوميا في مجالس العزاء التي يحييها الشيعة، وتنتشر في شوارع الضاحية.
ولا تخلو الإجراءات من رسائل سياسية، إذ تشير كثافة الإجراءات، التي شملت إغلاق المعابر الفرعية إلى الضاحية، وتشديد الإجراءات والتفتيش على المداخل الرسمية إلى أن الحزب، كما السلطات الرسمية، تعمل على «تحصين» الإنجازات التي تم تحقيقها على الحدود الشرقية، ومنع خلايا نائمة تابعة للتنظيمات المتشددة من استهداف التجمعات التي تُقام في الضاحية يوميا.
وتأتي هذه الإجراءات بعد أقل من شهرين على انطلاق عملية الحسم النهائي لملف التنظيمات المتشددة على الحدود الشرقية التي شارك الحزب فيها في معركة جرود عرسال ضد تنظيم جبهة النصرة، بينما تولى الجيش اللبناني حسم الملف الآخر المرتبط بالمعركة ضد تنظيم داعش من الجهة اللبنانية من الحدود.
وكان الجيش اللبناني أعلن الأربعاء الماضي عن إجراءات استثنائية، وقال: «لمناسبة حلول عيد رأس السنة الهجرية وذكرى عاشوراء، باشرت وحدات الجيش المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية، تنفيذ تدابير أمنية استثنائية في محيط أماكن الاحتفالات، وحول دور العبادة ومجالس العزاء»، ودعت قيادة الجيش المواطنين «إلى التجاوب مع الإجراءات والتدابير الأمنية التي ستنفذها وحدات الجيش، حفاظا على أمنهم وسلامتهم».
وتتوسع الإجراءات من الضاحية إلى جنوب لبنان، والقرى في شرقه، حيث يشدد الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الرسمية إجراءاته في مناطق التجمعات.