كتب ناجي سمير البستاني في صحيفة “الديار”:
مع إعلان حزب «القوّات اللبنانيّة» ترشيح عجاج حداد رسميًا عن المقعد الكاثوليكي في قضاء جزين، ضُمن دائرة «جزين – صيدا» يتأكّد أكثر فأكثر حدّة المعارك التي ستُخاض في العديد من الدوائر الإنتخابيّة في الإنتخابات النيابيّة المُقبلة المُفترض تنظيمها في أيّار 2018. ويأتي دُخول «القوات» على خطّ المعركة في «عروس الشلال» في الوقت الذي لا يزال «التيّار الوطني الحُرّ» ينوي الإحتفاظ بمقاعده الثلاثة في القضاء، يُماطل في إعلان ترشيحاته بسبب صراع داخلي. فكيف هي الصورة الإنتخابيّة في دائرة «جزين – صيدا» ككل والتي تضمّ خمسة مقاعد (2 سنة في صيدا و2 موارنة و1 كاثوليكي في جزين)، وكيف ستكون التحالفات، وهل ستتواجه «القوات» و«التيّار» في جزّين بعد أن كانا قد تحالفا في معركة الإنتخابات البلدية الأخيرة، وماذا عن دور باقي القوى السياسيّة في جزيّن وخاصة في صيدا؟
بحسب أوساط سياسيّة مُطلعة إنّ «القوّات» رشّحت حداد الذي سبق له أن ترشّح في العام 2009، إلى جانب النائب السابق إدمون رزق وفوزي الأسمر، من دون أن يحالفهم الحظ كلّهم، إنطلاقًا من عزمها على تقديم ترشيحات جدّية في أغلبيّة الدوائر الإنتخابيّة، إمّا لخوض المعركة وفق تحالفات موضوعيّة في كل دائرة تُعطيها فرصة كبيرة للفوز، وإمّا للمُساومة على ترشيحات في دوائر مُحدّدة في سياق التنازلات المُتبادلة المُنتظر أن يُقدّمها أكثر من طرف سياسي لإنجاح تحالفاته على مُستوى لبنان ككل. ولفتت الأوساط إلى أنّ هذا الترشيح يأتي في الوقت الذي يُواجه فيه «الوطني الحُرّ» صعوبات كبيرة في حسم أسماء مُرشّحيه في قضاء جزيّن، نتيجة خلافات داخليّة وصراعات نُفوذ تفجّرت بالأمس القريب بإستقالة هيئة القضاء في «التيّار». وتابعت الأوساط نفسها أنّ «القوّات» مُرتاحة للمعركة الإنتخابيّة، كونها ستحاول من خلال التعويل على «الصوت التفضيلي» وعلى تحالفات معيّنة مبنيّة على تعدّد إتجاهات الناخبين، خرق دائرة «جزيّن – صيدا» بنائب محسوب مُباشرة عليها، بينما يُواجه «الوطني الحُرّ» مُعضلتين أساسيّتين: الأولى تتمثّل في الإنقسامات الداخلية التي أسفرت عن تأخير إعلان مُرشّحيه، والثانية تتمثّل في الحرج الذي يُمثّله صُعوبة الإختيار بين التحالف مع «تيّار المُستقبل» وبالتالي خذلان الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري الدكتور أسامة سعد، وخسارة المزيد من الأصوات الشيعيّة المؤيّدة له، أو التحالف مع «حزب الله» و«التنظيم الشعبي الناصري» وبالتالي رفع نسبة خسارة مقاعد نيابية ثمينة، لأنّ «تيّار المُستقبل» في صيدا و«القوّات» في جزين وغيرهما من القوى المُعارضة له، سيكونوا عندها قادرين على خرق مقاعده.
وأوضحت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّه في التصويت الداخلي للتيّار الوطني وصل كل من جاد صوايا والمحامي سليم الخوري إلى النهائيّات عن المقعد الكاثوليكي، وقد مالت الكفّة أخيرًا لصالح الخوري الذي خصّه «حزب الله» مُمثلاً بالنائب محمد رعد بزيارة دون غيره من المُرشّحين، في رسالة دعم واضحة. وأضافت أنّه طالما أنّ الخوري سيحلّ مكان النائب عصام صوايا، فهذا يعني أنّ الخلاف يتركّز على المقعد الثالث الذي يحتلّه حاليًا النائب الماروني زياد أسود الذي يتمتّع بشعبية واسعة في جزين. ومن شأن إستبعاد هذا الأخير، لصالح مستشار رئيس الجُمهورية جان عزيز أو أي مُرشّح آخر، أن يُقسّم أصوات المُؤيّدين، خاصة وأنّ خُصوم «التيّار» الكُثر جاهزون لدعم مُرشّحين أقوياء بوجهه سبق أن أثبتوا جدارتهم في الإنتخابات الماضية، علمًا أنّ أصوات أخرى ستتشتّت لصالح مُرشّحين آخرين أيضًا.
ولفتت الأوساط السياسيّة المُطلعة إلى أنّ «حزب الله» مُحرج بدوره لأنّه لن يكون قادرًا على توزيع أصوات مؤيديه بين لائحة «الوطني الحُر» وأخرى مدعومة من رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، كما حصل في دورة العام 2009، لأنّ هذا الأمر سيُبدّد القوّة التجييريّة، حيث أنّه في النسبية لكل صوت أهمّية كبرى، ما يعني ضرورة أن تكون هناك لائحة مُوحّدة، إضافة إلى صوت تفضيلي واحد، وإلا إرتفعت فرص الخرق حتى من جانب قوى أقلّ تمثيلاً. وذكّرت الأوساط نفسها أنّه في إنتخابات عام 2009، إقترع 29,225 ناخبًا في جزين (بنسبة 53,6 %)، ونال زياد أسود 15,648 صوتًا، وعصام صوايا 14,914 صوتًا، والنائب الراحل ميشال الحلو 13,285 صوتًا. وأضافت أنّ نتائج المرشحين الخاسرين في اللائحة الثانية التي كانت مدعومة من الرئيس نبيه بري، جاءت على الشكل التالي: سمير عازار 10,792 صوتًا، وأنطوان خوري 5,220 صوتًا، وكميل سرحال 5,403 صوتًا، بينما نال المرشحون الخاسرون في اللائحة الثالثة التي كانت مدعومة من قوى «14 آذار ومُستقلّين»، ما يلي: إدمون رزق 7,399 صوتًا، وعجاج حداد 6,498 صوتًا، وفوزي الأسمر 4,338 صوتًا.
ولفتت الأوساط السياسيّة المُطلعة إلى أنّ المعركة المُقبلة ستكون بالتالي على «الصوت التفضيلي»، وكذلك على الحاصل الإنتخابي الذي سيكون بحدود 16,000 صوت (للفوز بمقعد إنتخابي واحد)، في حال صحّت التوقّعات بشأن مُشاركة نحو 80,000 ناخب في دائرة «جزين صيدا». وأضافت أنّه من هنا فإنّ التحالفات بين القوى الفاعلة في جزين وتلك الفاعلة في صيدا ستكون حاسمة بالنسبة إلى النتائج النهائية. وقالت الأوساط نفسها أنّ الفرص ضعيفة جدًا في تحقيق رغبة «التيار» بإنضاج لائحة إئتلافية مع كل من النائبة بهيّة الحريري والدكتور أسامة سعد، ما يعني أنّ المعركة واقعة حتمًا. وكشفت الأوساط أنّ «المُستقبل» المُحرج والضائع في تحالفاته، يسعى لعقد تسوية مع «الجماعة الإسلاميّة» في صيدا لتعزيز قُدراته التجييريّة من جهة، ولكسب أصوات «الجماعة» في إقليم الخروب في معركة «الشوف» من جهة أخرى. ولفتت إلى أنّ المُستقبل سيقيّم خياراته بدقّة لتحقيق الفوز، حتى لو إضطرّ لسحب ترشيح النائب فؤاد السنيورة، لصالح منسّق تيّار المُستقبل في الجنوب الدكتور ناصر حمود أو حتى لصالح مُرشّح عن «الجماعة الإسلاميّة» إن إقتضى الأمر، وهو يسعى لترتيب وضعه في صيدا قبل نسج تحالفاته النهائية مع القوى السياسيّة في جزّين.
وأشارت الأوساط السياسيّة المُطلعة إلى أنّ النسبيّة تُشجّع قوى أخرى للدخول على خط الترشيحات، مُسمّية على سبيل المثال لا الحصر رئيس بلدية صيدا السابق الدكتور عبد الرحمن البزري، الأمر الذي قد يخلط الكثير من الأوراق. وذكّرت أنّه في إنتخابات عام 2009، إقترع 37,453 ناخبًا في صيدا (بنسبة مرتفعة جدًا بلغت 69,4 % من إجمالي الناخبين)، ونالت بهيّة الحريري (25,460 صوتًا)، وفؤاد السنيورة (23,041 صوتًا)، في مقابل خسارة كل من أسامة سعد (13,512 صوتًا)، ومصطفي القوّاس (626 صوتًا فقط).
وختمت الأوساط نفسها كلامها بالقول إنّ الدكتور أسامة سعد المدعوم بما لا يقلّ عن 32 % من أصوات الناخبين السنة وحدهم، يملك فرصًا كبيرة للفوز في صيدا، تمامًا كما يملك عازار، وربما حجاج، فرصًا للفوز في جزين، في حال جرى اللعب على وتر «الصوت التفضيلي» بذكاء، ونسج تحالفات قويّة تؤمّن «الحاصل الإنتخابي» المطلوب. وأكّدت أنّ الحرج هو سيّد الموقف بين أكثر من طرف سياسي أساسي، لأنّ في معركة «جزين – صيدا» لا مجال للمُسايرة ولا لتوزيع الأصوات!