كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
على وقع الالتباس «المُريب» في تفسير كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب في شأن النازحين الذي أطلقه خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، «عاجَلَ» بيروت التباسٌ ثانٍ لا يقلّ إثارةً تمثّل في مواقف نُقلت عن الرئيس اللبناني العماد ميشال عون عبر موقع «المونيتور» دافع فيها عن وضعية «حزب الله» وسلاحه على وقع اللقاء «المثير للجدل» بين صهره وزير الخارجية جيران باسيل ونظيره السوري وليد المعلّم، في وقتٍ كان التباس ثالث يُطلّ برأسه من زاوية مالية – اقتصادية – اجتماعية حيال مصير سلسلة الرتب والرواتب الجديدة بعدما أبطل المجلس الدستوري قانون الضرائب التي كانت أُقرت لتمويلها بما يجنّب البلاد خطر انهيارٍ مالي.
وتعاطتْ دوائر سياسية مع هذه الالتباسات على أنها مؤشر على «الانحدار» الذي يعيشه لبنان على مستوى القرار و«سياسة الارتجال» التي تُعتمد بملفاتٍ عدة، ناهيك عن الإرباك المتزايد بمواجهة الضغوط الدولية المتصاعدة على «حزب الله» ربْطاً بأدواره العسكرية الخارجية و«الهوامش» التي باتتْ أضيق من أيّ وقت للبنان الرسمي لتحييد نفسه عن الخيارات الاستراتيجية للحزب التي جعلتْه ظاهرياً على خط «محورٍ منتصرٍ» ولكنها وضعتْه بالعمق على «نقطة تقاطُع» بين أجندات إقليمية – دولية بعضها لا يريد أقلّ من «رأسه».
وفي ما كان قرار «الدستوري» بإبطال قانون الضرائب يترك تفاعلات كبيرة بلغت حد فتْح «الخط الساخن» بين المقار لتحديد الخطوة التالية لجهة المضي أو عدمه بقانون سلسلة الرتب ودفْع الرواتب على أساسه قبل توفير البدائل التمويلية مع ما لذلك من مخاطر مالية كان حذّر منها رئيس الحكومة سعد الحريري، فإن «العواصف» التي هبّتْ من نيويورك التي عاد منها الرئيس عون بدتْ مُحمّلةً برسائل بعضها عكَس ارتباكاتٍ لبنانية وبعضها الآخر اعتُبر مؤشراً على انطلاق مسارٍ إشكالي بملف النازحين السوريين والتطبيع مع نظام الرئيس بشار الأسد.
وإذا كانت بيروت بدأتْ تشهد عملية تظهير إعلامية لـ«خطأ مقصود» في تفسير كلام ترامب عن النازحين السوريين والتعاطي معه على أنه دعوة لتوطينهم في أقرب مكان إلى بلادهم، في حين أن نصّ الخطاب بالإنكليزية لم يتحدث عن التوطين بل عَطَفَ مقاربة هذا الملف على غايةِ «عودتهم في النهاية إلى وطنهم الأمّ للمشاركة في عملية إعادة الإعمار»، فإن أوساطاً مطلعة اعتبرت أن «موجة النفخ» بمواقف الرئيس الأميركي على أنها دعوة للتوطين وصولاً إلى صدور «توصية رفْض» عن البرلمان تشكّل نقطة سلبية لمجمل الطبقة السياسية التي استخدم بعضها الرئيس نبيه بري هذا العنوان لـ«زكزكة» الرئيس عون على خلفية ملفات إشكالية داخلية مثل الانتخابات النيابية المبكرة والبطاقة البيومترية، فيما أراده البعض الآخر «منصة هروب إلى الأمام» بعد الهجوم العنيف من ترامب على «حزب الله»، في وقتٍ بدا خصوم الحزب غير قادرين على «التفلت» من موجبات التسوية السياسية التي تكبّلهم من دون أن تغيّر حرفاً في أجندة الحزب وأدواره.
وفي موازاة ذلك، ضجّت بيروت بمواقف نقلها موقع «المونيتور» عن الرئيس عون قبيل كلامه العالي السقف في الأمم المتحدة حيال ملف النازحين والذي اعتُبر رداً ضمنياً على «نسخة التفسير» اللبنانية لكلام ترامب وأكد فيه أن «لبنان لن يسمح بالتوطين لا للاجئ ولا لنازح مهما كان الثمن، والقرار في هذا الشأن يعود إلينا»، داعياً لعودتهم بعدما أصبحت 85 في المئة من الأراضي السورية في عهدة الدولة.
وفيما اعتمد عون النفَس عيْنه في حديثه إلى «المونيتور» في ما خص ملف النزوح، فإن ما نُقل عنه في شأن «حزب الله» حمل مواقف دعم متقدّمة أكد فيها أن دور الحزب «مُستمرّ ما دامت هناك تهديداتٌ للبنان»، مذكراً بأن الحزب «تأسس العام 1985 لتحرير أراضينا من الاحتلال الإسرائيلي»، ومستحضراً عدوان 2006 الإسرائيلي على لبنان.
وشدد على أنه «لا يمكننا أن نقول لحزب الله علينا أن نفكك منظمتكم، لأن إسرائيل تستفز لبنان وتهاجمه»، مشيراً إلى أن «الحزب أصبح عنصراً من عناصر الأزمة الإقليمية. وإذا أردنا حل مشكلة حزب الله، فسيكون ذلك في إطار حل عام لأزمة الشرق الأوسط لا سيما في سورية».
وفيما كان هذا الكلام يتفاعل سياسياً سارع القصر الجمهوري لإصدار بيان اعتبر أن الحديث الذي نُسب إلى عون خلال وجوده في نيويورك «تضمن مواقف غير دقيقة وبعضها أتى خارج سياق العرض»، لافتاً إلى «أن المواقف التي حددها رئيس الجمهورية لا تختلف عما ورد في الكلمة التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخلال لقاءاته مع المسؤولين العرب والأجانب والأمين العام للأمم المتحدة».
واستجرّ بيان «القصر» غموضاً إضافياً لا سيما أنه لم يشر مباشرة إلى الشقّ من كلام الرئيس اللبناني الذي اعتَبر أنه غير دقيق وأتى خارج سياق العرض، وسط اعتبار أوساط سياسية أن ترْك المقصود بالبيان ملتبساً يعكس رغبة باحتواء أيّ «غضب» دولي وعربي وعدم إحراج الرئاسة أمام «حزب الله».
ولم يكن كلام عون وحده الذي أحدث صخباً إذ إن لقاء الوزير جبران باسيل مع نظيره السوري في نيويورك للمرة الأولى منذ التسوية التي أوصلت عون إلى الرئاسة ترك تردداتٍ لم تبقَ مكتومة، وسط ربْط لهذه الخطوة بملف النزوح وعنوان التطبيع مع نظام الأسد الذي كان تحوّل قبل أسابيع عنواناً إشكالياً كبيراً في ظل دفْعٍ متدحْرج لـ«حزب الله» في اتجاهه.
وكان بارزاً اعتراض الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط على خطوة باسيل عبر النائب أكرم شهيب الذي أعلن أن «ما حذرنا منه بدأ يتظهر على صعيد الارتماء بأحضان النظام السوري الموسوم بجرائم القتل والإبادة»، مؤكداً أن «الوحدة الوطنية لا تكون بالشعارات الشعبوية والخطابات الفارغة (…) والصورة عن لقاء الوزير باسيل مع وزير خارجية النظام المجرم في دمشق لا تدل على العمل من أجل الوحدة الوطنية».
واعتبر أن «الشراكة لا تكون بالتفرد، والتضامن الحكومي لا يكون بالخروج عن التسوية التي أنتجت رئاسة وتشكيل الحكومة».