كتب ألان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
للمرّة الأولى منذ إنتخابات 1992، يُسمَح للقوى والأحزاب المسيحية بإيصال ممثليها في جبل لبنان الجنوبي الى الندوة النيابية بلا منّة من أحد، وفي حال أُجريت الإنتخابات وفق قانون النسبية الذي قسّم لبنان إلى 15 دائرة، تعيد نوعاً من التوازن المسيحي- الإسلامي.على رغم أنّ المسيحيين والدروز يتساوون عددياً في قضاءَي الشوف وعاليه، إلّا أنّ الطابع الغالب على هذين القضاءَين كان درزياً حتى في عزّ حكم «المارونية السياسيّة» قبل الحرب، فالزعيم كمال جنبلاط كان من أهم زعماء الدروز في الشوف على رغم أنّ الرئيس كميل شمعون أسقطه في إنتخابات 1957، فيما كان الزعيم التاريخي الأمير مجيد إرسلان صاحب النفوذ الأوّل في عاليه الى درجة أنّ المقولة الشهيرة كانت آنذاك «المير بنزّل عصا بيعملها نائب بعاليه».
وبعد توقيع «إتفاق الطائف»، بات رئيسُ الحزب التقدّمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط اللاعبَ الأوّل والأوحد في جبل لبنان الجنوبي، يمتدّ نفوذُه، أو إمارتُه، من الشوف مروراً بعاليه وصولاً الى بعبدا، وقد استفاد من الدعم السوري وغياب الزعماء المسيحيين، وعدم قدرة رئيس الحزب «الديموقراطي اللبناني» الوزير طلال إرسلان على تشكيل زعامة درزية موازية لزعامته، فكان جنبلاط مَن يسمّي النواب المسيحيين، ويقرّر هل يترك مقعداً لإرسلان أو يضعه خارج الندوة النيابية.
الدائرةُ الأكبر
تُعتبر دائرةُ الشوف وعاليه التي أُنشئت للحفاظ على الوجود الدرزي والجنبلاطي، أكبرَ دائرة في لبنان، وتضمّ 13 مقعداً نيابياً، 8 في الشوف و5 في عاليه. ففي الشوف هناك ثلاثة مقاعد مارونية، مقعد كاثوليكي، مقعدان للدروز، وإثنان للسنّة. بينما هناك مقعدان مارونيان في عاليه، ومقعد أرثوذكسي، وإثنان للدروز، ليشكّل المجموعُ العام للمقاعد 7 للمسيحيين و4 للدروز وسنّيين.
يتوقّع الجميع أن ترتفع نسبة الإقتراع المسيحي في هذه الدائرة وفق القانون الجديد، في حين أنّ الدروز يقترعون بكثافة ويلامس معدّل اقتراعهم عادة الستين في المئة، ويُنتظر أن تتبلور التحالفاتُ الإنتخابية، في وقت يُحكى عن تأليف ثلاث لوائح، الأولى تضمّ «الإشتراكي» و«القوات اللبنانية»، الثانية تضمّ «التيار الوطني الحر» وإرسلان اللذين قد ينضمّ اليهما تيار «المستقبل» الذي تمرّ علاقتُه بجنبلاط في حالٍ من الصعود والهبوط، أما اللائحة الثالثة فتتألّف من حزبَي الكتائب و«الوطنيين الأحرار» والوزير السابق أشرف ريفي الذي يتحرّك في إقليم الخرّوب و«المجتمع المدني»، فيما لم يُعرف بعد أين سيتموضع رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب.
وتُحاول القوى السياسيّة تقويمَ قوّتها التجييريّة، ومعرفة مدى قدرتها على الفوز بمقاعد. وتشير التقديراتُ الأوّلية الى أنّ جنبلاط سيحتفظ بثلاثة مقاعد درزية، سيكون بينها تيمور جنبلاط، وسيتنافس على المقعد الرابع مع إرسلان، فيما سيسمح له فائض الأصوات الدرزية والحضور السنّي التاريخي في إقليم الخروب بالفوز بمقعد سنّي بعدما رشّح بلال عبدالله مكان النائب علاء الدين ترو، وآخر مسيحيّاً، وبالتالي سيحصد 5 مقاعد في هذه الدائرة، فيما يُتوقّع أن يضمن تيار «المستقبل» مقعداً سنّياً في الشوف، ويبقى التنافس مشتعلاً على المقاعد المسيحيّة.
حساباتُ الأرقام
جرت انتخابات 2009 في جوّ من الاحتقان والتشنّج بين تحالفَي «8 و14 آذار»، وصوّت في عاليه نحو 60 ألف مقترع، فحصد تحالف «14 آذار» نحو 35 ألف صوت معدّلاً وسطياً، أي ما نسبته 58 في المئة، فيما نال تحالف «8 آذار» نحو 22 ألف صوت، أي ما نسبته 36 في المئة، وبالتالي لو كان القانون النسبي قائماً في تلك المرحلة، لكان الحاصل الإنتخابي للفوز بالمقعد هو 12 ألف صوت، وهناك 6 في المئة من الأصوات لا تدخل في الحسبان لأنها لم تبلغ الحاصل، وبالتالي ستفوز «14 آذار» بثلاثة مقاعد و«8 آذار» بمقعدَين.
وفي الشوف، صوّت نحو 91 ألف مقترع، ونالت لائحة «14 آذار» نحو 61 ألف صوت معدّلاً وسطياً، أي ما نسبته 67 في المئة، فيما نال التحالف المقابل نحو 21 ألف صوت أي ما نسبته 23 في المئة، فيما هناك نحو 10 في المئة من الأصوات لا تُحتَسَب، وبالتالي تحصد لائحة «14 آذار» ستة مقاعد واللائحة المقابلة مقعدَين، ويكون المجموع العام بين الشوف وعاليه، 9 مقاعد لـ«14 آذار» و4 لـ«8 آذار».
لكن تجدر الإشارة الى أنّ القوى المنافسة لجنبلاط لم تشكّل لوائح قوية نظراً لظروف المعركة التي كانت محسومة وفق قانون الستين، كما أنّ قسماً كبيراً من الناخبين، ولا سيما من بينهم المسيحيون، لم يصوّتوا لإدراكهم المسبَق إنعدام تأثير أصواتهم في المعركة الانتخابية، أما الآن فقد تبدّلت الأوضاع وتغيّرت التحالفات السياسية، لذلك فإنّ كل الظروف المحيطة بالمعركة المقبلة مغايرة لظروف 2009.
ترشيحاتٌ قريبة
تدرس «القوات» ظروفَ معركتها بدقة، وقد فضّلت ترشيح مسيحيَّين إثنين فقط في هذه الدائرة من أصل 7، مرشّح في الشوف وآخر في عاليه.
وستقدم في الفترة المقبلة على ترشيح «القواتي» إبن سوق الغرب أنيس نصار عن مقعد الروم الأرثوذكس في عاليه، وقد اختارت ترشيح أرثوذكسي بدلاً من ماروني لأسباب عدة أبرزها أنّ المعركة ستكون شرسة على المقعدَين المارونيّين، فمن جهة هناك مرشح جنبلاط، النائب هنري حلو، ومن جهة أخرى هناك المرشح الدائم لـ«التيار الوطني الحرّ» الوزير سيزار أبي خليل.
وتضع «القوات» في أولوياتها عدم الدخول في مواجهة مع جنبلاط حتى لو لم يشكّلا لائحة موحّدة، فيما التنافس المسيحي مع «التيار» لن يكون بالحدّية ذاتها في الجبل الجنوبي لأنها تحرص على المصالحة الدرزية – المسيحية والمسيحية – المسيحية.
وتُقدر «القوات» حجمَ قوّتها التجييريّة في عاليه بسبعة آلاف صوت ستصبّها في اتّجاه نصّار، الذي من المفترض أن يتنافس مع النائب السابق مروان ابو فاضل، حليف إرسلان، والنائب الكتائبي فادي الهبر على المقعد الأرثوذكسي، لذلك فإنّ الفوز في هذا المقعد قد يكون أسهل من حصد أحد المقعدَين المارونيَّين.
وبالنسبة الى الشوف، ستعيد «القوات» ترشيح النائب جورج عدوان، وستصبّ أصواتها التفضيليّة له، ولن ترشّح حزبياً ثانياً، والمعروف عن عدوان علاقته الجيدة بالقوى السياسية في الجبل، وامام كل تلك العوامل رأت الماكينة الإنتخابية القواتية أهمية ترشيح إثنين فقط، فيما التحالفات تأتي لاحقاً.
وضعيّة «التيار»
من جهته، يعتبر «التيار الوطني الحرّ» أنّ هذا القانون قادر على إعطائه أكبر قدر من النواب في هذه الدائرة التي لم يتمثّل فيها منذ عام 2005، وقد يعوّض هذا الأمر خسارته لمقاعد عدّة في بعبدا والمتن وكسروان وجبيل بسبب القانون النسبي، وحتى الساعة يبرز إسم أبي خليل في عاليه، والوزير السابق ماريو عون في الشوف، فيما هناك أسماء حليفة ستظهر تباعاً.
وإذا كان النائب دوري شمعون لا يزال يعترض على القانون الجديد ويعتبره رجعيّاً لأنه يجبر المواطنين على إنتخاب لوائح مقفلة، يبدو أنّ حزب الكتائب سيعيد ترشيح الهبر في عاليه، وسيكون له مرشّح في الشوف، فيما ينتظر الجميع ما إذا كان ريفي سيعلن مرشحَين عن المقعدَين السنّيَين في الشوف، وماذا سيكون موقف الشخصيات المستقلة والعائلات ومع مَن ستفضل التحالف.
لا يختلف المراقبون على أنّ من المبكر الحديث عن تحالفات وأسماء مرشّحة، لكنّ الإستعدادات للمعركة بدأت جدّياً، وهي ستكون إختباراً لمدى قدرة جنبلاط على الصمود أكثر، ومدى قدرة المسيحيين على العودة الى الحياة السياسية في الجبل بعدما أنصفهم قانون الإنتخاب الجديد نوعاً ما، كذلك فإنّ تيار «المستقبل» أمام إختبار صعب جداً وهو قدرته على الإحتفاظ بخزّانه السنّي في إقليم الخرّوب، وهل تمدّدت القوى المنافِسة على الساحة السنّية وأبرزها ريفي إليه؟
ومن جهة ثانية ستكون هذه المعركة محطّة، إما لتكريس الحلف الجنبلاطي- الحريري الذي بدأ مع الرئيس رفيق الحريري، وإما للإفتراق.