كتبت رولا حداد
عاد “حزب الله” من جديد ليسقط ورقة التين الأخيرة عن مشروعه الحقيقي الذي لم يكن يخفيه في ثمانينات القرن الماضي عند إنشائه كما وصفه علناً السيد حسن نصرالله: “مشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره كوننا مؤمنين عقائديين هو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام، وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني” (اليوم هو الإمام الخامنئي)
هكذا ينتسب السيد نصرالله وحزبه بالكامل إلى مشروع ولاية الفقيه، قلباً وقالباً، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وعلى كافة المستويات. في هذا الإطار لا يعود مستغرباً أن يقول السيد نصرالله: “لو كان تكليفنا أن نقاتل سنقاتل حتى لو وقف بوش وترامب والذي خلف ترامب واسرائيل، وبعض العرب وكل العالم أمامنا، فكل الذي امامنا لا يخيفنا. وإنّ المجاهد والمقاوم الحقيقي هو الذي يؤدي تكليفه الشرعي على أكمل وجه، وانّ كان تكليفه الصبر فهو الصابر وان كان القتال فهو المقاتل في الميدان.”
وبطبيعة الحال فإن “التكليف الشرعي” يأتي من الولي الفقيه، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، ولا علاقة للبنان والمصلحة اللبنانية والدولة اللبنانية بأي “تكليف” أو أوامر تأتي من إيران. لا وجود للبنان في خطاب “حزب الله” ومشروعه، ولذلك فهو مستعد أن يقاتل حيثما يطلب منه الولي الفقيه في أي دولة وعلى مساحة العالم.
بهذا المنطق وببساطة إن أتى “التكليف الشرعي” لـ”حزب الله” للسيطرة الكاملة على لبنان أمنياً وعسكرياً فسينفّذ الانقلاب الشامل من دون تردد. لا أقول إنه سينجح، لكنه سينفذ تكليفه الشرعية من دون أي اعتراض.
وما لم يتطرّق إليه السيد نصرالله تحدث عنه نائبه الشيخ نعيم قاسم لتكتمل الصورة، فجاهر بالمشروع الاجتماعي لـ”حزب الله”، وتحدث عن نقاط عدة، منها: نشر النموذج الإسلامي الرائد عبر الحجاب، منع الاختلاط بين الشباب والفتيات، منع المدارس المختلطة، منع الملاهي الليلية، منع الفتيات من “معاشرة المنحرفات اللواتي يتبرّجن ويتحدثن عن الموضة ومساحيق التجميل، ورفض السماح للمطلقات بالتعليم!
إنه المشروع الإيراني المتكامل في لبنان. لا يختلف عن المشروع الداعشي سوى بأنه أذكى، ويعتمد على قضم الدولة والسيطرة على المفاصل تدريجياً.
لا يحاولنّ أحد اعتبار أن قاسم يتوجّه إلى البيئة الشيعية حصراً، فحتى الشيعة يجب أن يحميهم القانون اللبناني وأن تكون حرياتهم مصانة، سواء بالاختلاط أو التبرّج أو السهر، كما حقوق المطلقات وغير المطلقات. ولا يجوز لنعيم قاسم أو غيره إهانة اللبنانيات، وتصنيفهم في خانة “المنحرفات”، ما يُعتبر تحريضاً علنيا عليهم لاستباحة حرياتهن وأعراضهن وخصوصياتهن. كما أن على القانون أن يحمي كل الشيعة المعارضين لسياسة “حزب الله” ونموذجه السياسي- العقائي- الاجتماعي، والمصرين على ممارسة حرياتهم في العيش والفرح والسهر والتعليم والاختلاط والتبرّجفي قراهم ومناطقهم.
إن القانون اللبناني يحمي المرأة اللبنانية على مساحة الـ10452، والمرأة تخضع للقانون فقط وليس لفتاوى الشيخ نعيم قاسم أو غيره. وللمرأة اللبنانية، أيا تكن طائفتها أو مذهبها، أن تفعل ما يحلو لها تحت سقف القانون اللبناني.
لم يعد ينفع “حزب الله” ومؤيديه التلطي وراء شعارات “المقاومة” وغيرها لاستكمال بسط سيطرتهم على لبنان والمجتمع اللبناني. إن ما صدر عن الأمين العام لـ”حزب الله” ونائبه في الأيام الأخيرة يظهر مدى خطورة مشروع “حزب الله” ووجوده على لبنان الدولة والكيان والصيغة، وعلى الحريات العامة والخاصة، في حين تتلهى أكثرية الأحزاب والسياسيين بالجدل حول جنس الملائكة في نظام سياسي يتهاوى بين يدي الولي الفقيه!