Site icon IMLebanon

زمن ربْط النزاع في لبنان يترنّح…فمَن ينقلب على مَن؟

 

 

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

هل انتهى زمن «ربْط النزاع» في لبنان والنأي به وتحييده عن الأزمات اللاهبة في المنطقة؟ وهل صارت تالياً التسوية السياسية وحكومتها على قاب قوسيْن من السقوط؟ ولمصلحة مَن الانقلاب على الستاتيكو الحالي… لإيران ومحورها أم للسعودية وحلفائها؟

هذه الأسئلة لم تعد مجرّد تمرينٍ افتراضي لسبْر أغوار «الحال اللبنانية» التي ازدادتْ حراكاً وتلبُّداً في الاسابيع الماضية على وهج تحولات عميقة لا تخلو من الغموض في المنطقة التي يتأجج في ساحاتها المترامية صراعٌ لا هوادة فيه بين إيران والمملكة العربية السعودية.

لم يكن لبنان أولوية في اللحظة التي كانت الحرب السورية في أوجها. يومها ساد اعتقادٌ أن مَن يَرْبح في سورية يَرْبح في لبنان، وهو الأمر الذي جنّب «الوطن الهشّ» حريقاً، تفاداه «حزب الله» لحماية ظهره بعدما ذهب بعيداً بتورُّطه في سورية وساحات المنطقة، ولعب «تيار المستقبل» دور «الإطفائي» لمنْع نشوب فتنة سنية – شيعية.

هذا النأي بلبنان، المحروس بـ«تَقاطُع المصالح»، أتاح إمرار تسويةٍ جاءت بمرشّح إيران و«حزب الله» الى رئاسة الجمهورية عبر انتخاب العماد ميشال عون، وأعادتْ حليف السعودية الى رئاسة الحكومة من خلال تشكيل الرئيس سعد الحريري حكومةً ائتلافية ببيان وزاري متوازن وتسْووي.

وتؤشر التطورات الأخيرة في لبنان، ربْطاً بالتحولات الجارية في المنطقة، على أن البلاد تنتقل من انهيارٍ متدحْرج لتسويةِ ربْط النزاع وحكومتها، إلى مرحلةٍ توحي بعودة الاستقطاب السياسي الحاد حيال موقع لبنان والتوازنات فيه، خصوصاً في الطريق الى الانتخابات النيابية في مايو 2018.

نقطة التحولات الحاسمة جاءت مع المشروع الروسي – الاميركي لتقسيم مناطق النفوذ في سورية عبر مقاطعاتِ خفْض التوتر، مما جعل «حزب الله» يستعجل العمل على ربْط لبنان بمناطق النفوذ الايراني في سورية المفيدة، فسارع إلى فتح معركة الجرود ووضع ملف إعادة النازحين على الطاولة وباشر ضغوطاً لتطبيع العلاقة بين لبنان الرسمي والنظام السوري.

ويَفيد «حزب الله» في معركته من وفاء عون لـ «الرافعة» التي أوصلتْه الى الرئاسة، ومن وعْدٍ قطعه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بتبني خليفة عون، صهره وزير الخارجية جبران باسيل الى رئاسة الجمهورية، في مبادلة السلطة بالمسائل الاستراتيجية التي تشكل أولوية للحزب.

وتُرجم هذا «الوفاء» في مواقف عون الصريحة بدعمه دور «حزب الله» وإضفاء الشرعية على سلاحه، متجاهلاً الانقسام اللبناني حيال ذلك وتعاطي دول الخليج والغرب مع الحزب على انه «منظمة ارهابية»، اضافة الى تبنيه عناوين معركة الحزب في شأن النازحين والتنسيق مع النظام السوري الذي شكل لقاء باسيل مع وزير خارجيته وليد المعلّم إشارة متقدمة في هذا الاتجاه.

وبدا أن «حزب الله» الذي لا يرغب في الاطاحة بحكومةٍ يترأسها حليف السعودية (الحريري) وتشكل حمايةً له، لن يتهاون في ضغوطه لتطبيع العلاقة مع دمشق وإعادة النازحين الذين يشكلون كتلة بشرية قابلة للتوظيف من خصومه في أي مواجهة معه أو في انتخاباتِ المرحلة الانتقالية في سورية.

فثمة مَن يعتقد أن إعادة النازحين مسألة ترتقي الى «الاستراتيجي» في نظر «حزب الله» الذي يرى أن إعادتهم الى أحضان الأسد تضفي شرعية على النظام وتنزع ذريعة المجتمع الدولي بأن سورية – النظام غير آمنة وتمكّن الحكومة من تجنيد ما بين 50 ألف الى 100 ألف من بين النازحين في الجيش المتعَب.

والأهمّ في تقدير بعض الأوساط أن «حزب الله» في محاولته تشديد قبضته على لبنان وخياراته، يستشعر هجوما معاكساً تشنّه المملكة العربية السعودية بمواجهة ما يوصف بالمحور الإيراني في المنطقة ومن ضمنه لبنان.

فمن العراق، والعلاقة المستجدة بين القيادة السعودية والسيد مقتدى الصدر والحسابات الانتخابية لرئيس الوزراء حيدر العبادي، مروراً بمضيّ الأكراد في الاستفتاء على الاستقلال رغم تهديدات «الحرس الثوري» و«الحشد الشعبي»، وصولاً الى العودة السعودية للاهتمام بلبنان والقول إنه غير متروك… كلها مؤشرات توحي بأن زمن ربْط النزاع يلفظ أنفاسه.

ومَن يتابع الحركة السعودية في اتجاه لبنان عن كثب، يكتشف ان التغريدات النارية لوزير الدولة لشؤون الخليح ثامر السهبان ضدّ «حزب الله» لم تكن سوى طلائع لمسار تصاعُدي في مواجهةٍ عنوانها منْع إطباق النفوذ الايراني على لبنان.

وبعد اللقاءيْن اللذين عقدهما امس ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع كل من رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ورئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل، من المتوقّع ان تكرّ سبحة خطوات تصبّ في مضاعفة اهتمام الرياض بما يجري في لبنان.

وفي ملاقاة هذا الاهتمام، يُنتظر أن تشهد الساحة السياسية في بيروت ديناميات جديدة كتشيكل «مجلس حكماء» من شخصيات سنية بعدما تزايدتْ الضغوط على رئيس الحكومة سعد الحريري، وإقامة إطارٍ عابر للطوائف يضمّ قوى وشخصيات اسلامية – مسيحية مناهضة لـ «حزب الله»، بما يوفّر «منصّة» لإعادة التوازن الداخلي.