كتبت صحيفة “الأخبار”:
تحديات خلق فرص العمل في شمال لبنان كبيرة. فهذه السوق المحلية لا توفر سوى وظيفة واحدة فقط لكلّ خمسة بالغين في سنّ العمل، فيما 36% من سكانها فقراء! يعود ذلك إلى أن اقتصاد هذه المنطقة إقليمي وذو مستوى فقر عالٍ، فهو يواجه صدمات خارجية كبيرة وطويلة الأمد، وتزيد من تدهوره حال انعدام الأمن الداخلي المستمر، وإهمال الحكومات المتلاحقة التي لم تقدم أي دعم لهذه المنطقة. هذه هي خلاصة التقرير الذي أعدته مجموعة البنك الدولي تحت عنوان «الوظائف في شمال لبنان»!
يواجه شمال لبنان تحدّيات هيكليّة واجتماعيّة واقتصاديّة، إذ ينقسم اقتصاد هذه المنطقة بين الزراعة المُهيمنة في عكار والمنية – الضنية، والاقتصاد الحضري القائم على الصناعة والخدمات في طرابلس، علماً أن إنتاجيّة هذين القطاعين منخفضة نسبياً.
بحسب بيانات البنك الدولي المنشورة ضمن تقرير مُعدّ عن «الوظائف في شمال لبنان»، يحتل الشمال المرتبة الثانية بعد البقاع لناحية معدل الفقر، إذ إن 36% من سكان الشمال فقراء، وتتجاوز هذه النسبة معدل الفقر على الصعيد الوطني البالغ 27%. كذلك تُعَدّ طرابلس والمناطق النائية المجاورة لها، بما فيها مناطق عكار، من أكثر المناطق هشاشة في لبنان التي تعاني من عدم المساواة.
إن تفاقم تحديات التوظيف في الشمال بالنسبة إلى الفئات الأكثر فقراً سببه هشاشة النظام في لبنان، وتاريخ الصراعات فيه، فهناك عشرات الآلاف من البالغين في سنّ العمل والمتعلّمين نسبياً العاطلين من العمل أو خارج القوى العاملة، وهناك آخرون عالقون في وظائف منخفضة الجودة. وقد أضيف عامل مؤثّر على فرص العمل، هو تدفق اللاجئين السوريين، إذ تبلغ نسبة اللاجئين في الشمال إلى عدد السكان نحو 32%، ويعيش فيها 29% من مجموع اللاجئين في لبنان، أي نحو 445 ألف شخص.
%53 من القوى العاملة غير ناشطة!
يقدّر عدد السكّان في سن العمل في الشمال بنحو 610 آلاف شخص، من بينهم 53% غير ناشطين، ما يجعل مجموع القوى العاملة نحو 289 ألف شخص. تبلغ نسبة أرباب العمل منهم 20%، ونسبة العاملين لحسابهم الخاصّ 22%، فيما 49% فقط من القوى العاملة موظفون عاملون بأجر (15% منهم بأجر رسمي) أمّا الـ9% الباقون فهم من العاطلين من العمل، أي ما يشكّل نحو 22 ألف شخص من القوى العاملة الناشطة. مع الإشارة إلى أن معظم العمّال يعملون في وظائف متدنية الجودة والإنتاجية في قطاع تجارة الجملة والتجزئة، وذلك داخل مؤسسات لا يتجاوز عدد موظفيها العشرة أشخاص.
ومن المتوقّع أن يزيد مجموع القوى العاملة في الشمال من 289 ألفاً إلى 362 ألف شخص بحلول عام 2025، ما يعني أن الاقتصاد في المنطقة سيحتاج إلى خلق 8 آلاف وظيفة كمعدّل وسطي سنوياً للحفاظ على وضع مستقر في سوق العمل. ولتحقيق معدّل عمالة يتجاوز 60%، وهو معدّل نموذجي في البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى مثل لبنان، يجب إيجاد أكثر من 120 ألف وظيفة، أي 14 ألف وظيفة في السنة، على مدى خمس سنوات. وبغية تحسين نوعية الوظائف وجعل المنطقة تتماشى مع المعدّل الوطني البالغ 62%، سيتطلب ذلك خلق 21 ألف وظيفة إضافيّة، أي أكثر من 4 آلاف وظيفة في السنة، على مدى خمس سنوات.
تفاوت جندري وبين الأعمار
يُعَدّ معدّل مشاركة من هم في سنّ العمل في سوق العمل في شمال لبنان من بين أدنى المعدلات في البلد، في حين أن القوى العاملة الفعليّة تعدُّ من بين الأكبر. من جهة أخرى، إن أغلبية السكان الناشطين هم من ذوي المستويات التعليميّة المنخفضة، ولا سيما البالغون، إذ إن 45% منهم وصلوا إلى مرحلة التعليم الابتدائي، و31% منهم أكملوا التعليم ما بعد المرحلة الثانوية. أما الشباب والبالغون الذين لم يتجاوزوا الـ34 من العمر، فحقّقوا مستويات أعلى من التعليم بنسبة 31% للشباب و42% للبالغين. في حين أن 23% من الشباب دون سن الـ25 هم خارج دائرة التعليم والعمالة، و13% منهم عاطلون من العمل.
وهناك أيضاً اختلافات في نتائج سوق العمل بين الفئات السكانية، ولا سيما بين النساء. إذ تشارك امرأة واحدة في سوق العمل من بين كل خمس نساء في سن العمل، مقارنة بنسبة 73% من الرجال. وأغلب العاملات هن موظفات بأجر، في حين أن الأعمال الحرّة هي أكثر انتشاراً بين الرجال. فضلاً عن أن 80% من النساء هن من العاملات بأجر، و20% فقط يعملن لحسابهن الخاصّ، فيما تبلغ نسبة أرباب العمل بين الرجال 40%.
بيئة معادية للنمو!
تشكل المنافسة غير الرسميّة والفساد عقبات رئيسيّة أمام الاستثمار في الشمال، إذ تشير 84% من الشركات إلى أنها تنافس الشركات غير الرسميّة مقابل 57% فقط من الشركات على الصعيد الوطني. وتفيد 62% من الشركات بأنها تتوقّع دفع رشوة لموظفي القطاع العام، مقابل 21% من الشركات في بقية أنحاء البلد. إضافة إلى أن التوصيلات الكهربائيّة تتطلّب ضعف الوقت مقارنة مع بقية المناطق، فيما تشكو الشركات من ارتفاع عدد ساعات انقطاع التيار بمستوى أكبر من المناطق الأخرى. كذلك تقلّ فرص حصول الشركات الصغيرة على التمويل مقارنة مع الشركات الكبيرة، ما يؤثّر بهذه المنطقة التي تكثر فيها تلك الشركات.