كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
شكّل تَعمُّد رئيس الحكومة سعد الحريري اعتبار «الإنجاز» الذي تَمثّل بالتفاهم على حلّ لمأزق قانون سلسلة الرتب والرواتب وتمويلها ثمرةَ «التوافق السياسي» الذي يحكم لبنان، إشارةً واضحة الى عودة انتظام اللعبة الداخلية تحت سقف التسوية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي قبل 11 شهراً والتي تعرّضتْ في الأيام الأخيرة لـ «هزّاتٍ» أثارتْ مخاوف كبرى من منحى «انقلابي» على «الستاتيكو» الحالي في ملاقاةِ مرحلة المنعطفات الحاسمة في مسارات عملية «اقتطاع النفوذ» الاقليمي والدولي التي رُسمت بالنار في أكثر من ساحة لا سيما سورية.
وتولى الحريري شخصياً بعد ترؤسه جلسة مجلس الوزراء يوم أمس إعلان «خريطة طريق» الحلّ لأزمة قانون سلسلة الرتب والتي تضمّنتْ قرار صرف الرواتب ابتداءً من اليوم للعاملين في القطاع العام وفق الزيادات الجديدة بالتوازي مع إحالة مشروع قانون معجل مكرّر على مجلس النواب يتضمّن تعديلات ضريبية على قانون تمويل السلسلة الذي سبق أن أبطله المجلس الدستوري بما يراعي ملاحظاته، وتكريس التفاهم على صيغة لقطع الحساب تفتح الطريق أمام إنجاز موازنة 2017 سريعاً.
واذا كان التوافق «بالأحرف الأولى» على هذه الصيغة التي ستجري ترجمة الشقّ المتعلق بالبرلمان فيها (قانون الضرائب) الأسبوع المقبل بما يَضمن استمرارية دفْع الرواتب وفق الزيادات، سبق ان حصل في جلسة الحكومة اول من امس برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إلا ان إطلالة الحريري بعد جلسة أمس التي ترأسها ساهمتْ عملياً في احتواء كل المناخ البالغ السلبية الذي ساد بيروت على خلفية الإشارات الأكثر وضوحاً الى انتقال «حزب الله» وحلفائه الى مرحلة ربْط لبنان رسمياً بالمحور الإيراني في سياق ترجمة ما يعتبره انتصاراً لهذا المحور في سورية، مستخدماً ملف النازحين بوابة عبور الى تطبيعٍ يريده «على عجل» مع نظام الرئيس بشار الأسد.
ورغم ان كلام الحريري تضمّن تأكيداً على ان التوافق السياسي الذي وفّر «منصّة» لإتمام التفاهم على مسار تطبيق قانون السلسلة يَشمل في جانبٍ منه رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان نبيه بري اللذين شكّل خروج «جمر» الخلاف «المزمن» بينهما الى «فوق الرماد» أحد طبَقات أزمة السلسلة واللذين أكد رئيس الحكومة ان «لا أزمة بينهما»، فإن أوساطاً سياسية اعتبرتْ عبر «الراي» ان الجانب الأبرز من التوافق الذي قصَده بدا محمّلاً برسائل ذات أهمية بالغة.
وبحسب هذه الأوساط فإن الحريري كرّس مناخاً يشي بتجديد «بوليصة التأمين» حول التسوية السياسية التي كانت تعرَّضتْ لـ «ضربة قوية» بعد كلام عون الدفاعي عن سلاح «حزب الله» وإعلانه عن محادثات ضرورية وبدأت مع نظام الأسد قبل أن يلتقي وزير الخارجية جبران باسيل، بطلب منه، نظيره السوري وليد المعلّم في نيويورك، ما شكّل خروجاً عن جوهر هذه التسوية الذي قام على تحييد الملفّات الخلافية ولا سيما المتصلة بالأزمة السورية والاكتفاء بوضعيّة «ربْط النزاع» حيالها.
وبمعزل عن ان كلام رئيس الحكومة لا يعني بأيّ شكل ان مسار التطبيع مع النظام السوري جرت «فرْملته» بدليل كلام الوزير باسيل في إطلالة تلفزيونية، ليل أول من أمس، عن ان ملف النازحين «اولاً» مؤكداً ضرورة التواصل مع دمشق لإعادتهم، إلا ان مواقف الحريري عكستْ استمرار القرار من خصوم «حزب الله» بالمضيّ في سياسة «الصمود» وصون الاستقرار في غمرة دخول المنطقة مرحلة التسويات وتالياً تفادي اي خطوات من نوع الاستقالة او غيرها، في موازاة تعبير دخول «حزب الله» عبر أمينه العام السيد حسن نصر الله على خط «تبريد» العلاقة بين حليفيه الرئيسين عون وبري عن رغبة الحزب أيضاً في مواصلة استراتيجية «القضم» من ضمن التسوية التي تشكّل ما يشبه «درع وقاية» له بمواجهة «غيوم داكنة» دولياً تتراكم على خط تشديد الضغوط عليه من ضمن سياسة مواجهة النفوذ الإيراني التي تقودها الولايات المتحدة.
ومن هنا فإن الحريري، أحيا بعد جلسة الحكومة منطق تثبيت الخلافات حيال الملف السوري من ضمن «ربْط النزاع» بإعلانه انه لا يوافق على لقاء باسيل – المعلّم مؤكداً «لستُ مستعداً للتعامل مع النظام السوري لا من قريب ولا بعيد وهناك خلاف سياسي حول هذا الموضوع»، ومشدداً على «ان البيان الوزاري واضح والحكومة واضحة ولا أحد يحاول ان يأخذني الى مكان آخر»، ولافتاً في سياق مغاير الى انه «في تحالفٍ مع الرئيس عون والرئيس بري وكل القوى في الحكومة، وأحاول التوفيق بين الآراء المختلفة لاتخاذ القرارات كما حصل في موضوع السلسلة اذ لولا التوافق السياسي القائم لكنا ذهبنا الى المهوار او بلغنا مصيبة مالية، ولما توصلنا الى الحلّ الذي اعتقد البعض انه سيكون معقداً»، ومعتبراً «ان التوافق هو الذي يؤسس كيف نحكم لبنان وكيف نضع مصالح الناس اولاً ونحافظ على مالية الدولة ونحمي الليرة».
وكان الوزير باسيل أكد في إطلالته التلفزيونية وفي أول ردّ له على الانتقادات القاسية التي طاولتْه ولا سيما من وزير الداخلية نهاد المشنوق على خلفية لقائه المعلم، فاعتبر ذلك «حملة مزايدات». وقال إنه لم يكن يحتاج الى إذن من مجلس الوزراء للقاء المعلم كما لم يتسبب بأذى لرئاسة الحكومة، لكنه لا يقبل بأن يمس أحد بصلاحياته «فلسنا أهل ذمة». واذ دافع بشدّة عن العلاقات مع سورية، اكد التمسك بالشراكة مع الرئيس سعد الحريري، وملاقياً «حزب الله» في الغمز من قناة ان إشكالية العلاقة مع سورية بالنسبة الى البعض توازيها للبعض الآخر إشكالية العلاقة مع السعودية.