كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
ليست مصادفة ذهاب رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى الرياض، للمرة الثانية معاً الأربعاء الفائت، بشروط متقاربة تشبه التي رافقت زيارتهما المتزامنة أيضاً في تشرين الاول 2014
في زيارتهما المشتركة قبل ثلاث سنوات ــ الاولى للنائب سامي الجميّل للمملكة والمتكررة لسمير جعجع ــ دُعيا على نحو مباغت غير مخطط له، من غير أن يعرف أحدهما بحضور الآخر، على أبواب التحضير للتمديد الثاني لولاية مجلس النواب في الشهر التالي. كان رئيسا الحزبين ــ الى التيار الوطني الحر ــ من غلاة رافضي التمديد.
عادا من السعودية بخيارين متباعدين وهما في صلب قوى 14 آذار: رفض الجميّل تأييد تمديد الولاية، بينما جاراه جعجع ومثّل الغطاء المسيحي في فريق 14 آذار آنذاك لإقراره في البرلمان. وهو ما عوّل عليه الرئيس نبيه بري بقوله إن القوات اللبنانية وفّرت بتأييدها ميثاقية جلسة الهيئة العامة للبرلمان، رغم تأييد النائب سليمان فرنجية هذا الخيار.
في زيارة الايام الاخيرة دُعي رئيسا الحزبين على عجل بشروط شكلية مماثلة: الدعوة الرسمية وتوقيتها ومرجعية استقبالهما هناك، لكنها مختلفة في المضمون. خلافاً لعام 2014 كلا الرجلين في موقعين متنافرين مع خيارات متباينة: الجميّل في المعارضة، ناوأ انتخاب الرئيس ميشال عون الذي أتى ثمرة تسوية سياسية كانت الرياض شريكاً فيها، تجمعه بحلفاء السعودية علاقات سياسية متوترة. لا ينفك عن انتقاد الرئيس سعد الحريري وحكومته، يناوئها ويتهمها بطبخ الصفقات، ولا يتردد في أن يكون بطل إبطال قانون الضرائب، بينما تمر علاقة حزبه بحزب القوات اللبنانية ورئيسها بفتور جلي. في المقابل يقف جعجع في موقع الحليف لعون في باب استعادة الحقوق المسيحية والتوازن والمشاركة في السلطة، وللحريري في باب مناهضة سلاح حزب الله وإيران والتواصل مع النظام السوري.
وفي معزل عمّا سمعه الجميّل وجعجع من مضيفهما ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، إلا أن توقيت الزيارة وإشاراتها لا تقل اهمية عن فحوى الاحاديث.
مع أنها المرة الثانية التي يُستقبَل فيها رئيس حزب الكتائب هناك، الا انها واحدة من المرات الكثيرة التي قصد رئيس حزب القوات اللبنانية المملكة، وربطته علاقات وثيقة بعدد من أمراء الاسرة، فضلاً عن مسؤولين آخرين كمدير المخابرات السابق مقرن بن عبد العزيز وخلفه خالد حميدان اللذين اجتمع بهما مراراً.
على مرّ 12 سنة في علاقة ثنائية مع الرياض، عُدّ جعجع حليفاً مسيحياً رئيسياً لها في مواجهة الرمز المسيحي في الفريق الآخر، وهو عون وتياره. كان ايضاً ممن حمّسوا المملكة، بعد المصالحة المسيحية، على دعم انتخاب عون رئيساً للجمهورية، واقفاً الى جانب الحريري في خيار لم يكن من السهل على المملكة هضمه بعدما وضعت لأكثر من سنتين فيتو صارماً على تأييده. هو بذلك حصان قديم راحت المملكة تشكو من تأخره في اللحاق بالسباق السعودي ــ الإيراني في لبنان، مذ صالح خصمه المسيحي اللدود ــ الحليف الصلب لحزب الله ــ وتقاسم السلطة معه.
ومع أن مكانة كلّ من رئيسي الحزبين المارونيين متفاوتة في الرياض، الا ان استقبالهما على قدم المساواة، في توقيت واحد ومحتوى مماثل، عكس اعتقاداً بأنها ــ وإن بحجة التشاور ــ توازي ذاك بهذا، في وقت يُعرف عن جعجع أنه يفضّل مساواته بجيل الآباء، الجميّل الأب لا الجميّل الابن وبـ«الجنرال» لا بصهره الذي هو اليوم رئيس التيار الوطني الحر.
لكن الوجه الآخر لوجود الرجلين هناك، في يوم واحد، أتاح التكهّن بجانب خفيّ تنطوي عليه الدعوتان، هو أن المملكة لا تكتفي بحليفها المسيحي المخضرم، بل تضيف اليه حليفاً جديداً هو الجميّل الابن الذي لا تعرف الكثير عنه، شأن معرفتها عن والده الرئيس السابق للجمهورية. والواضح من الاستقبال المزدوج أنه يرسل، بادئ بدء، إشارتين سلبيتين:
أولاهما، الى رئيس الجمهورية كأنها خسرت رهان انتخابه، وتيقّنت من أنه لا يزال نفسه قبل وصوله الى رئاسة. لا فكاك له عن حزب الله. فشل الاقتناع الذي حمله الحريري وجعجع الى الرياض عشية انتخاب عون رئيساً، ومفاده أن إيصاله الى المنصب من شأنه «سحبه» تدريجاً من حزب الله تمهيداً لإخراجه منه ووضعه في موقع الوسط بين الحزب وخصومه، ما يوفر توازناً داخلياً في وسع عون إدارته. دعمت حجتهما هذا الخيار على أنه يصبّ في مصلحة المملكة. على نحو كهذا حضر وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان الى بيروت قبيل انتخاب الرئيس وبارك الخيار، فكانت ترجمتها التالية زيارة الرئيس الجديد السعودية في كانون الثاني 2017.
قبل شهر ونصف شهر من اليوم حضر السبهان مجدداً الى بيروت في 23 آب، حاملاً معه إشارة سلبية اضافية حيال عون، حينما تعمّد عدم الاجتماع به، في حين التقى مسؤولين لبنانيين وأركاناً في قوى 14 آذار. في ذلك ــ تبعاً لقراءة الاشارات السعودية التي لا تقل التباساً وغموضاً عن الاشارات السورية ــ تعبير عن امتعاضها من مواقفه المؤيدة لحزب الله من جهة، وإيحاء بتنصّلها من تسوية انتخابه رئيساً.
ثانيتهما، الى رئيس الحكومة من خلال استقبال شخصية مسيحية معارضة له، توحي المملكة كأنها تريد الموازنة بينها وبين حلفائه المسيحيين الآخرين الذين لم تعد أدوارهم كافية ومقنعة. مجرد الاستقبال يرشّح الجميّل في معادلة التأثير السعودي في لبنان لدور مختلف، على طرف نقيض من عون وجعجع في آن واحد، وإن هو خارج الحكومة.
بالتأكيد لم يستشعر الزائران، وفق ما سمعه المحيطون بهما، أن الرياض:
ــ في صدد بعث الروح في قوى 14 آذار، مقدار تحضير أرضية الوصول الى انتخابات 2018.
ــ لا يسرّ الرياض أن يصبح الحريري حليف عون في هذه الانتخابات أو يتعاون معه، ما يجعلها تفكر في دعم حليف مسيحي جديد، وممارسة مزيد من الضغوط على حليف مسيحي مخضرم.
ــ ليست في وارد الحضّ على إطاحة الحكومة، لكنها مستاءة من طريقة إدارة رئيسها دوره في السلطة الى حدّ تخليه عنه: ها هو يلقي سلاحه.
ــ ليست في وارد تعريض الاستقرار الداخلي لخضة، وهي تدعمه عندما تكون شريكاً في ترسيخه، لا استقراراً يصنعه خصومها الإيرانيون. تريده يثبّت التوازن السياسي الداخلي.