تقرير رولان خاطر
بعد نحو 35 عاماً، قرّر الحزب السوري القومي الاجتماعي أن يذكّر الاسرائيليين بأنه ما زال موجوداً… لكن كيف؟
الحزب الذي لا يعترف بالكيان اللبناني، وتحت عنوان استذكار عملية “الويمبي” التي قام بها في العام 1982، اصطف عناصره من فصائل “نسور الزوبعة” في عرض عسكري من دون سلاح، أقفل شارع الحمرا في بيروت، واستباح هيبة الدولة، واستفز أهالي العاصمة، وأهان المواطنين، وأحرج كل أجهزة الأمن في لبنان، وتحدّى الطاقم السياسي في حكومة “العهد القوي”، علماً أنّ الذكرى كان يمكن أن تمرّ بعرض حزبي ضمن المراكز التابعة للحزب.
حملة كبيرة توجهت فيها اصابع اللوم إلى وزارة الداخلية التي بقيت متفرجة أمام إقفال الطريق على المواطنين من دون أي مسوغ قانوني أو وطني، فلم تتدخل لفتح الطريق او لمنع “العرض القومي”.
تحميل وزارة الداخلية المسؤولية أمر طبيعي كونها المسؤولة عن فرض الأمن وحماية المواطنين والسلامة على الطرقات، لكن، والجميع يعلم الآليات المتبعة في لبنان في مثل هذه الأمور. فهل كان يمكن لوزير الداخلية أن يتدخل وهو الذي ينتمي إلى فريق سياسي كبير، زعيمه على رأس الحكومة، ويشكل أحد أركان “العهد القوي”؟ ألم يكن من الأجدى أن يكون هناك قرار سياسي على مستوى عال يعطي الداخلية الغطاء السياسي اللازم للتعاطي مع “عرض” الحمرا؟ علماً أن المسألة برمتها ليست أمنية، فالعرض كان عرضاً حزبياً بايحاءات عسكرية يحمل بطياته رسائل سياسية، ما يفرض مسؤولية سياسية على كل أركان السلطة، والرؤساء الثلاثة.
مصدر قريب من وزارة الداخلية كشف لموقع IMLebanon ان الوزير نهاد المشنوق اثار هذا الموضوع مع الوزير علي قانصو بحضور الرئيس سعد الحريري على هامش جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، لكن لم يكن في الامكان طرحه، حتى أن لقاء باسيل – المعلم، لم يُطرح في الجلسة لأن المجلس كان مشغولا في ترتيب مسألة سلسلة الرتب والرواتب.
لكن، وبتأكيد المصادر، فإن الوزير المشنوق سيطرح هذا الموضوع في اول جلسة مقبلة لمجلس الوزراء، خصوصاً أن العمل كان عملاً استفزازياً، استفز اهالي بيروت واستفز أيضا وزير الداخلية والرئيس الحريري نفسه، وهو امر غير مقبول.
وشدد المصدر المقرب من وزارة الداخلية على ان الوزارة لا يمكن أن تُسأل عن هذا الموضوع باعتباره حدثا امنياً، بل حدث سياسي تُسأل عنه الحكومة ومجلس الوزراء مجتمعاً برئاسة الرئيس ميشال عون وسعد الحريري.
عرض “الحمرا” لم يكن يشبه في شكله عرض “الجاهلية” الذي أقامه رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب، وأيضاً تحت عنوان مواجهة “اسرائيل”، لكن الصور التي تنتشر على مواقع التواصل، والتي من المفترض ان تكون بمثابة إخبار للنيابة العامة في لبنان وللحكومة مجتمعة وللعهد، هي شبيهة جداً بـ”عرض الجاهلية”، وتظهر عناصر القومي السوري يقوم بتدريبات من دون معرفة المكان والزمان، والسبب الذي يدعو الى خضوع هذه المجموعات للتدريبات في ظل وجود الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني الذي أثبت بعد معركة “فجرد الجرود” أنه جيش يُعتمد عليه في مواجهة أشرس الجيوش والتنظيمات، وفي مجال حماية كل اللبنانيين.
أهي رسائل سياسية يرسلها حلفاء “حزب الله؟ هل كان يمكن للقومي وغيره تنفيذ استعراضات ميليشياوية لولا سطوة السلاح غير الشرعي لـ”حزب الله” على مقدرات الدولة والجمهورية؟ لماذا هذا العرض الحزبي؟ ولماذا الآن؟
“القوات اللبنانية”، التي خاضت الحرب اللبنانية منذ بداياتها، أسفت على لسان مستشار قائدها العميد المتقاعد وهبي قاطيشا الاستمرار في مظاهر ضرب هيبة الدولة. واكد لـIMLebanon أن ما حصل في “الحمرا” ويحصل في معسكرات الحزب السوري القومي الاجتماعي لها طابع عسكري.
فالنظام المرصوص في قلب مدينة بيروت وفي شارع الحمرا، وقطع الطرقات والتعدي على حقوق المواطنين من قبل حلفاء “حزب الله”، له طابع عسكري وسياسي في الوقت نفسه، ورسالة “اننا هنا” واننا انتصرنا”.
وأسف لأن الدولة لن تستطيع اتخاذ اي تدابير بحق المعنيين في ما حصل في الحمرا، “لأن الدولة ليست دولة ولا تستطيع ان تقوم بأي شيء”، في ظل حزب يسيطر عليها عسكرياً ويصادر قراراتها.
هذا التجاوز لمنطق الدولة، يؤكد ان قسماً من اللبنانيين لم يتعلّم من تجارب الحرب القاسية التي مرت على لبنان، وهو يحاول العودة إلى منطق الميليشيات وسطوة السلاح في حين أن المطلوب بعد اتفاق الطائف ان يكون كل السلاح بيد الدولة وكل التنظيمات والأحزاب تخضع لارادة الدولة لا العكس.
فالمسيحيون الذين كان لهم منظومة عسكرية واستخباراتية ضخمة في لبنان والمنطقة، سلموا سلاحهم ايمانا بهذه الدولة، وهم يصرون في كل مناسبة على التمسك بمنطق الدولة والجيش وبالسلاح الشرعي، رافضين كل المظاهر التي تسيء وتضرب اسس الدولة.
لكن في نظرة تاريخية على مسار تفاعل الجماعات داخل المجتمعات وخصوصا التعددية منها، تؤكد التجارب ان استمرار الظلم على فئة من الفئات وغياب العدالة لا يدوم طويلا إلا ويدفع كل فئة إلى التسلّح دفاعاً عن وجودها وعن كيانها وخصوصيتها. لذا، يطرح السؤال البديهي هنا، ماذا لو كان هذا العرض في المنطقة المسيحية ومن قبل أحزاب مسيحية؟ وماذا لو قررت وحدات الصدم في “القوات اللبنانية” ان تستذكر بعروض شبه عسكرية إنجازاتها التي تفوق آلاف المرات ما تدعي ميليشيات 8 آذار القيام بها، وأقفلت طريق نهر الكلب مثلا أو طريق جونيه، وذلك بهدف ايصال رسائل سياسية معينة؟
هنا يجيب قاطيشا: “اذا حصل مثل هذا العرض في المنطقة المسيحية لكان هب الفريق الآخر إلى اتهام المسيحيين بانهم يتدربون ويحملون السلاح، فيعلنون الحرب علينا فندخل عندئذ بحرب أهلية من جديد”.
وتؤكد “القوات” أن ما يحصل اليوم من مظاهر التفلت للسلاح غير الشرعي ومظاهر الميليشيات على الطرقات إن دل على شيء فهو على عدم التوازن الموجود في الدولة. اذ ان هناك فريقاً يصادر القرار اللبناني لصالح “محور الممانعة”، ظنا منه بأنه بهذه الطريقة يثبّت الغلبة على الفريق الآخر، متناسياً أنه في لبنان لا احد يستطيع التغلب على الآخر.
واكدت “القوات” ان هدف المسيحيين بناء الدولة والمؤسسات، وفريق 14 آذار أخذ على عاتقه اعتماد المواجهة السلمية والسياسية وعدم الدخول في أي مظاهر او مواجهات عسكرية او شبه عسكرية للحفاظ على الدولة والمؤسسات الشرعية.
ويبقى الأهم اليوم أن العديد من المسائل والرسائل أصبحت برسم “العهد القوي”، وكيفية معالجته وردّه على هذه الرسائل. علما أن مسؤولية ما يجري اليوم لا يتحملها طرف وحده، كما قال مرجع سياسي كبير لـIMLebanon، بل كل الأطراف، خصوصاً أن أحداً من الفرقاء المسيحيين لا يريد العودة إلى منطق المحاور والجبهات وإلى الحرب، ويراهنون على الدولة والجيش، ولكن اذا فُرضت عليهم، عندئذ “لا حول ولا قوة”.