كتبت فيفيان عقيقي في صحيفة “الأخبار”: أعدّت شركة EGIS الهندسيّة دراسة لصالح المديريّة العامّة للنقل في وزارة الأشغال، لإحياء مشروع سكّة الحديد من بيروت إلى طرابلس، بدأت الشركة العمل عليها في عام 2012، بتمويل من بنك الاستثمار الأوروبي بقيمة مليوني دولار، فيما تمّ عرضها ومناقشتها، في تموز الماضي، في اجتماع ضمّ فريق العمل، ومديريّة النقل في وزارة الأشغال، ومصلحة سكك الحديد، ومجلس الإنماء والإعمار، دون أن يتمّ الإعلان عن مضمونها.
تستعرض الدراسة الأسباب التي تجعل من إحياء سكّة الحديد من بيروت إلى طرابلس، مشروعاً حيوياً للاقتصاد اللبناني، لناحية قدرته على تقليص زحمة السير والتخفيف من استعمال السيارات، وتالياً خفض نسبة التلوث الذي تسبّبه، إضافة إلى ربط لبنان بسوريا نظراً لقربه الاستراتيجي من البحر المتوسط والمحافظات السوريّة الأكثر تضرراً مثل دمشق وحمص وحلب، مع إمكانيّة ربطه بخطوط دول الشرق الأوسط والوصول إلى المرافئ الأساسيّة في المنطقة. يتزامن طرح هذه الدراسة مع بدء تزاحم الشركات والحكومات لحجز مكان لها في إعادة إعمار سوريا، والتي تبلغ بحسب تقديرات البنك الدولي نحو 200 مليار دولار أميركي، وهو ما يعدُّ الأمل الذي قد يحيي القطار في لبنان بعد تعطيل مستمرّ منذ عام 1994.
يعود تاريخ سكّة الحديد في لبنان إلى عام 1895، إذ افتتحت شركة «الخطوط الحديديّة العثمانيّة الاقتصاديّة من بيروت – دمشق – حوران – بيره جك»، المملوكة من الضابط الفرنسي السابق الكونت إدمون دو بيرت لويس، أول خطّ لسكة الحديد يربط بيروت بالشام ومن ثم بحوران وصولاً إلى البيرة، وذلك بعد أن حصلت على امتياز إنشاء واستثمار سكّة حديد من السلطنة العثمانيّة. وهو ما أدّى إلى تطوير المبادلات التجاريّة بين هذه المدن، والتي كانت تتمّ سابقاً عبر البغال. بعدها، بدأ العمل على خطّ الشام – حماه وتمديداتها في عام 1895، ثمّ اشترى امتيازه البنك العثماني (وهو مؤسسة ماليّة أوروبيّة يموّلها فرنسيون) بعد تعثّر الشركة في عام 1901، ثمّ حصل البنك على امتياز إنشاء خط طرابلس – حمص في عام 1910، كما موّل إنشاء خط رياق – حماه وافتتحه في عام 1902. أمّا في عام 1942، أنشأ البريطانيون خط الناقورة – بيروت – طرابلس لنقل الجيوش خلال الحرب العالميّة الثانيّة، فتمّ بذلك ربط أوروبا بأفريقيا مع تأسيس خط سكّة الحديد بين طرابلس وحيفا، وعمل لمدّة 6 سنوات ثمّ توقّف بعد تفجير أنفاق الناقورة إثر اندلاع الحرب العربيّة – الاسرائيليّة في عام 1948.
استردت الدولة اللبنانيّة خطوط سكك الحديد التي تصل بيروت بدمشق، وطرابلس بحمص، من الشركة الفرنسيّة في عام 1956 في عهد الرئيس فؤاد شهاب، ثمّ وحّدت كلّ خطوط سكك الحديد بما فيها الخطّ الذي يصل بيروت بالناقورة، تحت اسم «سكك الحديد اللبنانيّة»، وأنشأت «مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك» في العام 1961، وأوكل إليها إدارة واستثمار الخطوط الحديديّة، والتي استمرّت بنقل الركاب حتى اندلاع الحرب اللبنانيّة في عام 1975، وبعدها استمرّت بنقل المواد الأوليّة والبضائع وهو ما أدّى إلى تأمين مادة الفيول لمعامل الكهرباء طوال فترة الحرب. إلّا أن المعارك القائمة ألحقت أضراراً بالانشاءات ومباني ومعدات المصلحة، فضلاً عن التعدي على أملاكها، وهو ما أدّى إلى توقف القطار بين طرابلس وبيروت في عام 1979 بعد تفجير المسار في الكورة بثلاث عبوات، ثم توقفه بين بيروت والجنوب في عام 1983 بعد قصف الجيش الاسرائيلي أجزاءً من السكّة، فيما سرقت خطوط سكة الحديد في البقاع عام 1988 ونقلت من مرفأ طرابلس إلى باكستان بتغطية من الأجهزة السوريّة، وفق ما يشير تقرير منشور على «المفكرة القانونيّة». بعدها توقّف القطار عن العمل بين عامي 1989 و1991، عندما قرّرت الحكومة اللبنانيّة إعادة تسيير القطار بين الدورة وجبيل، واستمرّ بنقل الركاب لمدّة سنة فقط، حقق خلال شهرين (تشرين الأول وتشرين الثاني)، بحسب إحصاءات المصلحة، إيرادات بقيمة 2.5 مليون ليرة لبنانيّة وأجرى 401 رحلة. ثمّ استمرّ بنقل البضائع حتى عام 1994 قبل أن يتوقّف عن العمل نهائياً.