كتبت رولا حداد
الثابتة الوحيدة في “تفاهم معراب” هي أنه بات في حاجة إلى ملحق، أو اجتماع “حكماء” لتفسيره وإعادة تصويبه وإحيائه في ظل صراعه بين الحياة والموت على شفير الانتخابات النيابية المقبلة.
ولعل السؤال الأبرز الذي يتردد على ألسنة محازبي الطرفين هو: على ماذا تمّ الاتفاق؟ أو أي قاعدة سياسية لهذا الاتفاق؟
وفي حين تختلف التفسيرات لدى كلا الطرفين، أطل رئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بتفسير آحادي محدد لمفهوم “التيار” للمضمون السياسي لاتفاق معراب، فأكد في مقابلته الأخيرة مع الزميل مرسيل غانم ضمن برنامج “كلام الناس” أن “القاعدة السياسية لاتفاق معراب هي دعم رئيس الجمهورية وبالتالي دعم العهد”.
وإذا كان لزاماً على “القوات اللبنانية” أن تبدي رأيها في تحديد باسيل للمضمون السياسي لـ”اتفاق معراب” الذي أوصل العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، فإن من حق الرأي العام أن يطرح أكثر من سؤال وعلامة استفهام حول التفسير الباسيلي الذي يطيح بالتوازن الذي قام عليه الاتفاق:
ـ أولاً: هل يعني دعم رئيس الجمهورية والعهد دعم “التيار الوطني الحر” ورئيسه الذي يتصرّف وكأنه رئيس الظل للجمهورية اللبنانية؟ وألا يمكن دعم العهد والرئيس ورفض ممارسة “التيار” ورئيسه ووزرائه؟!
ـ ثانياً: هل تم الاتفاق على دعم رئيس الجمهورية والعهد من دون شروط؟ أو أن ثمة شروطا سياسية كان يجب على العهد الالتزام بها ليتم دعمه بشكل لامحدود؟ وهل قبلت أو تقبل “القوات” بدعم غير مشروط للعهد ولرئيس الجمهورية، لناحية تحديد السياسة الخارجية للعهد وخصوصا في كل ما يتصل بالملف السوري وحياد لبنان تجاهه ورفض أي تطبيع أو تواصل على مستوى سياسي مع النظام السوري، وأيضا لناحية المواقف السيادية في كل ما يتعلق بحصرية السلاح بيد الدولة وسلاح “حزب الله” وقتاله في سوريا، ولناحية السيطرة الأمنية الكاملة للدولة اللبنانية بأجهزتها فلا نشهد العراضات العسكرية التي تابعناها من عراضات وهاب وصولا الى استعراض الحزب السوري القومي الاجتماعي قبل أيام؟
ـ ثالثاً: هل دعم رئاسة الجمهورية ورئيس الجمهورية قاعدة ثابتة لا تقبل النقاش؟ إذا كان الأمر كذلك لِمَ لم تدعم “القوات” و”التيار” عهد الرئيس إميل لحود؟ ولِمَ لم يدعم “التيار” الرئيس ميشال سليمان بل كان يعمل على الإطاحة به ومواجهته بكل الوسائل المتاحة؟ وإذا كان ثمة خلاف عوني مع الرئيس سليمان خلال عهده فإن ثمة خلافاً ظاهراً أيضاً بين “القوات” و”التيار” حول كل النقاط السياسية خارجيا وداخليا، إضافة إلى الخلاف على كل الملفات، فهل يجوز أن تدعم العهد برئيسه ورئيس الظل فيه؟
ـ رابعاً: إن الثوابت الأساسية لاعتبار أن دعم العهد ورئيس الجمهورية واجباً سياسياً ووطنياً، وتحديداً للأحزاب المسيحية وفي طليعتها “القوات اللبنانية”، تفترض أن يلتزم فخامة الرئيس بالثوابت السياسية التاريخية للمسيحيين، وخصوصاً لناحية السيادة ورفض وجود دويلة إلى جانب الدولة، فهل هذا هو ما يجري اليوم؟
إن اختصار باسيل المضمون السياسي لاتفاق معراب بدعم العهد ورئيس الجمهورية يبدو أقرب لعبارة “لا إله” الناقصة والتي تتضمّن الكثير من التجديف، بل إن ثمة بنوداً واضحة للاتفاق، سواء في الثوابت الوطنية والسياسية التي لا تحتاج لأي اجتهاد أو تفسير، وسواء في مبدأ الشراكة الفاعلة بين “التيار” و”القوات” للعودة بالمسيحيين بشكل متوازٍ إلى السلطة وليس التفرّد في القرارات السياسية والتعيينات.
في الخلاصة، يبدو أن الاختلال القائم في اتفاق معراب، وعن سابق تصوّر وتصميم من باسيل الذي لا ينفكّ يهشّم صورة “القوات” إلى درجة اعتباره، في خطابه بالتزامن مع قداس الشهداء، أن وصول الرئيس عون كان محسوماً، في تنكر واضح لدور “القوات” المحوري في إيصاله، كما اعتباره أن “التيار” ذهب إلى اتفاق معراب لإنقاذ “القوات” من العزلة التي كانت تعانيها، إنما يطرح أكثر من علامة ويفرض الحاجة إلى تدخل “جراحي”لإنقاذ “اتفاق معراب” قبل الذكرى الثانية لتوقيعه!