كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار”:
معلومتان جرى تداولهما في الأيام الأخيرة، منبثقتان من عودة السعودية إلى لعب دور مؤثر في الساحة السياسية الداخلية. الأولى هي أن الرياض تعمل على «تنظيم» العلاقة بين الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي والوزير السابق أشرف ريفي. والثانية هي أن لقاءات السعودية اللبنانية الأخيرة بدأت تنتج أولى الإشارات بالكلام عن ترتيبات وتحالفات انتخابية تمهيداً لاستحقاق عام 2018 بين تيار المستقبل وكافة مكونات قوى 14 آذار.
وفيما تتقاطع المعلومتان وتصبّان في خانة واحدة هي التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، فإنه لا يمكن وفق ذلك عزل كل العوامل المؤثرة في هذا الاستحقاق.
فالسعودية لا يمكن أن تعود إلى لعب دور مؤثر في السياسة الداخلية إلا من أحد البابين: الحكومة أو الاستحقاق الانتخابي. ورغم أن كل العناصر التي يمكن أن تفجر الحكومة من الداخل موجودة، بدليل كثرة المدافعين عنها والمتحدثين يومياً عن ضرورة بقائها واستمرارها حتى الاستحقاق الانتخابي، فقد استحدثت هدنة ــــ تبدو موقتة حتى الآن ــــ لتطبيع الوضع الداخلي وعزل الحالة السورية عن الاستقرار الحالي. علماً أن أحداً من المؤيدين لعودة العلاقة مع النظام السوري إلى طبيعتها أو المعارضين لم يتراجع عن موقفه، لا بل حرص مسؤولو الصف الأول على إعلان تشبثهم بها، وأن أياً من الملفات الخلافية لم تُعالَج في صورة جدية. وهذا ما يسمح بأن تبقى الحكومة على اهتزازها من دون أن تقع، وتبقى بذلك ورقة احتياط لاستخدامها حين تدعو الحاجة.
ولأن ثمة فريقاً لا يزال يبشر بأن مكاسب بقاء الحكومة بالنسبة إلى تيار المستقبل والحريري نفسه قبل الانتخابات جدية تتعلق بالاقتصاد وبالمال وبالحضور السياسي المحلي والدولي، ولا تقاس بالخلافات الجانبية مع التيار الوطني الحر وحزب الله، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حلفاء السعودية، كالقوات اللبنانية التي تستفيد بدورها من حقائب الخدمات ومن وجودها في الحكومة، فإن العين تبقى على الانتخابات النيابية. من هنا بات الكلام الجدي المتداول: كيف يمكن مواجهة التطورات الإقليمية واستحضار التيار الوطني وحلفائه في قوى 8 آذار أهمية العلاقة مع الرئيس بشار الأسد، إلا من خلال الانتخابات النيابية، لأن معها يمكن الرهان على استحداث خط مواجهة متجدد من خلال إيصال كتلة نيابية حاضرة تزخّم مجدداً حالة الصراع السياسي مع حزب الله. وفقاً لذلك، بدأت حسابات التحالفات ترتسم مجدداً، لإعادة تجميع قوى 14 آذار صفوفها لخوض الانتخابات النيابية كحلفاء من خلال درس كل الحيثيات المتعلقة بالدوائر والمرشحين. وبمعزل عن أن هذه القوى مقبلة على اختبار هو الأول من نوعه تقنياً في اعتماد النسبية والصوت التفضيلي، فإن الاستحقاق الأساسي يكمن في ضرورة حشد كافة المكونات المناوئة لحزب الله، وقيام تحالفات مقبولة بالحد الأدنى من الشارع الذي يوالي هذه القوى. والجولات الانتخابية التي يقوم بها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أو تلك التي يقوم بها مرشحو القوات اللبنانية والترشيحات التي يطلقها رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع من حين إلى آخر، تدل على أن الطرفين حسما أمرهما في خوض الانتخابات متنافسين. فيما ظلت العقدة كامنة في موضع تيار المستقبل من خوض هذا الاستحقاق، ولا سيما في ضوء تقاطع مصالحه الحكومية المتشعبة مع التيار الوطني الحر. لكن مصادر سياسية مواكبة للقاءات السعودية بدت حاسمة في تأكيد أن المستقبل لم يعد قادراً على تجاوز خيار التحالف بين الحريري والقوات ومكونات 14 آذار، إضافة إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، كذلك لا يستطيع القفز فوق لقاءات الرياض، سواء لتنظيم الخلافات داخل البيت السني، أو لتوطيد التحالف الانتخابي بين الحلفاء. وهذا يعني أن مشهداً انتخابياً جديداً سيطل تدريجاً على مستويات مختلفة، ولا سيما في دوائر حساسة وأساسية. وقد بدأت بعض معالمه من خلال ردود فعل من المستقبل، لدواعي استقطاب الشارع السني، على جولات باسيل وعلاقة التيار مع سوريا.
لكن قبل التكهن بأن هذا التحالف بين خصوم حزب الله يمكن أن يقلب التوازنات في المجلس النيابي، يبدو مشروعاً السؤال، حتى لو حقق هذا التحالف فعلاً فوزاً نيابياً ساحقاً: كيف يمكن استثمار هذا النجاح؟
في عامي 2005 و2009، حققت قوى 14 آذار فوزاً انتخابياً. لكن الحكومات التي نتجت منها جاءت تحت عنوان «الوحدة الوطنية». والحريري نفسه كان أول الداعين إليها، ولم تتمكن قوى 14 آذار من تغيير هذه المعادلة، فدخلت إلى حكومة مشتركة من 8 و14 آذار أكثر من مرة، ودعمت وصول الرئيس نبيه بري إلى سدة رئاسة المجلس النيابي. وبحسب مصادر سياسية، فإن ما تمكن الثنائي الشيعي، أمل وحزب الله، من فرضه على المشهد السياسي في السنوات الأخيرة، هو أن لا حكومة من دون شراكة كاملة بين الأطراف الأساسيين، ولن تقوم حكومة تبعاً لذلك من دون قوى 8 آذار، ولا حكومة من لون واحد لقوى 14 آذار مهما حققت من انتصار. وهذا يعني أن أي فوز في صناديق الاقتراع لن يترجم في الحكومة التي تنبثق من الانتخابات. ولن يتصور أحد أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من موقعه السياسي، يمكن أن يقبل بحكومة يدخل إليها أي تحالف انتخابي عريض من دون حزب الله وأمل وقوى 8 آذار. فماذا سيتحقق إذاً في تكوين هذا التحالف، دعمته السعودية أو لم تدعمه، ما دامت الحكومات على توازنها، مع تعديلات طفيفة على بعض الحقائب، لضرورات التنافس بين القوى السياسية لا أكثر ولا أقل. وما جرى أثناء تشكيل الحكومة الحالية التي أتت وفق تسوية تراعي الخصوصيات، سيتكرر مرة أخرى بعد الانتخابات المقبلة، فتكون الحكومة الثانية للعهد، التي يقول رئيس الجمهورية إنها ستكون حكومته، شبيهة بالحكومة الأولى التي يتبرأ منها اليوم.