يحدث أحياناً أن تكتشف الأم تاريخ زيارة مواقع جنسية على أحد الأجهزة الإلكترونية في المنزل، وبينما يكون الأب هو المشتبه الأول، يتبيَّن أن أحد الأطفال، بنتاً كان أو ولداً، استجاب إلى فضوله وزار هذا العالم السري. إذا وجدت نفسك في هذا الموقف ماذا تفعل؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها في هذا الموقف الصادم، الذي سيحصل لا محالة، حتى داخل “أحسن العائلات”، بحسب تقرير نشرته مجلة Mujer Hoy الإسبانية.
إليك خلاصة تجربة سيدة إسبانية شاركت مشكلتها مع صحيفة “موخيروي” الإسبانية. وبعدما وجدت سوزانا في سجل صفحات المواقع التي تمت زيارتها على حاسوبها الشخصي عدداً من الصفحات الجنسية، أول ما فعلته هو سؤال زوجها، الذي أنكر. وبعد تتبع سجل البحث لمعرفة ما تم زيارته قبل وبعد هذه الصفحات، كانت المفاجأة، أفلام كارتون للأطفال.
لسوزانا ابنة عمرها 8 سنوات، أنكرت بداية فعلتها، ثم إزاء النبرة الهادئة للأم وإصرارها اعترفت الفتاة بالحقيقة، وقالت: “سمعت بعض الكلمات في المدرسة ووددتُ معرفة ما الذي تعنيه، وبإدخال هذه الكلمات في محرك البحث وجدت هذه المقاطع، هل هذا ما تقومان به أنت وأبي أيضاً؟”
هذه ليست حالة فردية، وفقاً لإحصائية أجرتها إحدى منظمات الأمن على شبكة الإنترنت، على الرغم من أن هذه المواقع تتطلب تأكيداً على أن عمر الزائر ليس أقل من 18 عاماً، إلّا أن حوالي 10% من مشاهدي المواد الجنسية على الشبكة العنكبوتية تقل أعمارهم عن 10 سنوات.
كما تثبت نتائج الإحصائية أن 53.5% من المراهقين في إسبانيا بين 14 عاماً و17 عاماً اعتادوا على مطالعة المواد الجنسية على الإنترنت، بينما يتلقى 4.1% من الفتيان والفتيات بين 11 و12 عاماً محتويات جنسية على هواتفهم الذكية.
رغم أن المحتوى ما زال كما هو، لكن ما تغير هو طريقة الوصول إليه… فما العمل؟
نميل غالباً إلى رؤية الأطفال كائنات ملائكية، لكن الحقيقة أن الجنس يوقظ فضولاً يكاد يكون غريزياً، هذا الفضول يُقابل بإجابات غير كافية اعتاد عليها الكبار.
في بعض الأحيان يتجرأ الأطفال على طرح الأسئلة، ولكن إذا رفض الكبار الحديث عن الجنس وشعر الصغار أنهم غير مُراقبين، فإنهم يفعلون ما نقوم به جميعنا عندما تراودنا الشكوك: القيام بالبحث في الشبكة المعلوماتية.
وفقاً لشركة Kaspersky Lab لبرامج تأمين الحاسوب، فإن 39.9% من مُدخلات البحث عن طريق الأطفال تتعلق بمحتويات جنسية.
أول شيء يجب على الأهل القيام به هو وضع كلمات مرور لهواتفهم المحمولة لمنع أولادهم من التصفح العشوائي.
تقول سيلفيا ألابا، مختصة الصحة النفسية للأطفال: “لا أحد يترك أطفاله في عمر 6 أو 8 أعوام بمفردهم في الشارع، وبنفس الطريقة لا يجب أن يكونوا بعيداً عن أعين الوالدين بينما يقومون باستكشاف العالم من خلال الأجهزة الإلكترونية”.
خطوات الحصول على مساحة آمنة على شبكة إنترنت
وضع جهاز الكمبيوتر في مكان يسمح برؤية الشاشة. وبالإضافة إلى ذلك يمكن تفعيل نظام رقابة أبوي مع إحدى شركات الأمن الإلكتروني.
ومع ذلك، يجب الأخذ في الاعتبار أن منع الإنترنت ليس حلاً أبداً؛ لأن الطفل إذا أراد تصفح المواقع فسوف يفعل هذا بطريقة أو أخرى.
لكن المهم هو أن يفهم الأطفال المخاطر التي قد تحدث، وذلك بتخصيص بعض الوقت لهم، وتوجيههم.
من المهم إخبار الأطفال بأن الولوج إلى تلك الصفحات غير قانوني للصغار، ولكن في نفس الوقت ينبغي تشجيعهم على الوثوق بكم، ومناقشة الأمور الجنسية معكم بصورة طبيعية.
في النهاية على الآباء أن يكونوا قدوة: اقطعوا اتصالكم بالعالم الافتراضي حينما ينبغي عليكم التواصل مع عالم الأسرة الحقيقي، فالأطفال يتعلمون بالتقليد.
ومن المهم للغاية أن تكون الأجهزة الإلكترونية التي يستخدمها الأطفال للولوج إلى شبكة الإنترنت محمية باستخدام مرشحات أو فلاتر مناسبة لأعمارهم. وأشهر هذه المرشحات هي خاصية التحكم الأبوي المتوفرة على جميع الأجهزة.
وأكثر المخاطر شيوعاً التي تشكل تهديداً لصغار السن هي المواد ذات المحتوى الجنسي والفيروسات وسرقة الحسابات، وحتى العنف أو التنمر الإلكتروني، والذي يعاني منه حوالي 7% من القاصرين، وفقاً لدراسة قامت بها شركة Growing Up Online.
ومن جهتها، تؤكد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، اليونسكو، أن التعليم والثقافة الجنسية يجب أن تصبح في أهمية دراسة مواد مثل الرياضيات.
وإحدى الوسائل لمنع الأطفال من البحث عن مصطلحات مثل “الجنس” هي أن تكون لديهم معلومات بالفعل، وألا يكون الأمر محظوراً بالنسبة لهم، ومن ثم فلن يكون مغرياً أو مثيراً لفضولهم الطفولي.
لذا قدمت الطبيبة النفسية سيلفيا ألابا عدداً من النصائح للآباء في كتابها “نريد أن يكبروا سعداء”، نذكر منها:
فلنتحدث عن الجنس
لا تتركوا سؤالاً واحداً دون إجابة؛ ما لم تجيبوا عنه سيبحثون عن إجابته على الإنترنت. التعليم العاطفي الجنسي سوف يفيدهم لاحقاً، سوف يشعرون بحالة جيدة وبالقدرة على القبول والتواصل مع الآخرين، وبالأخص عندما تبدأ مرحلة المراهقة.
ينبغي أن يتحدث الآباء عن الأمر قبل دخول أبنائهم إلى عالم المراهقة الذي يتحول فيه الأب والأم بطبيعة الحال إلى نوع من الأعداء أو الشخصيات المزعجة، حينها لن يتقبل أبناؤكم أغلب ما تسدونه إليهم من نصائح.
إذا شعرتم بعدم التأكد، اطرحوا أسئلة مثل: ماذا تعرف؟ ماذا يقول زملاؤك؟ بهذا تعرفون ما يدور في رؤوسهم.
إعطاء الأجوبة القاطعة المحددة أفضل من كثرة الحديث.
الذكاء في التعاطي مع الصغار دون احتدام أو زجر يجعلهم متأكدين أن بإمكانهم اللجوء إليكم دائماً لحل مشكلاتهم الخاصة.
إذا كان الحديث حول الجنس يصيبكم بالتوتر، حاولوا القيام بالأمر أثناء ممارسة أحد الأنشطة لتخفيف التوتر أثناء المناقشة.
من المهم تسمية الأشياء بمسمياتها والابتعاد عن الألفاظ النابية.
لا تتحدثوا عن الأمر بصورة سريعة، من المهم إعطاء الوقت الكافي للحديث، ولكن دون الخوض بصورة تخدش حياء وبراءة الأطفال.
وبالرغم من توصيات الأمم المتحدة بضرورة التحاق كل شخص بدورة تثقيفية جنسية، إلا أن الأمر يتحول في العديد من الدول إلى قضية سياسية مثيرة للجدل.
في ألمانيا مثلاً، يدرَّس المحتوى التثقيفي الجنسي بصورة إلزامية، ليس فقط بدافع تثقيف الأطفال، بل لتعليمهم كيفية التعرف على الاعتداء الجنسي ومنعه.
في كتاب “أخبرني كل شيء” الحائز عدة جوائز، تجيب المؤلفة كاترينا فون دير جاتيم المختصة بالتربية الجنسية عن 101 سؤال حول الجنس، طرحها فتيات وصبية في الصف الثالث والرابع في المرحلة التعليمية الأساسية.
في سن التاسعة والعاشرة، يصبح الأطفال منفتحين ولديهم فضول غريب لا يُصدق، إذ يرغبون في معرفة ما يحدث في سن البلوغ.
تقول كاترينا “فلنكن واقعيين، الأطفال يشاهدون أشياء تتعلق بالجنس في كل مكان من حولهم: الإعلانات، الأفلام، الإنترنت، رفاق المدرسة والأشقاء الأكبر سناً، فلن نستطيع تعمية عيونهم أو غلق آذانهم.
كما أن الأمر بالنسبة للكبار يثير التحفظ، لأنه يتعلق بالرغبات وغرف النوم والعديد من الخصوصيات، لكن الأمر بالنسبة للأطفال لا يتعدَّى الفضول الطبيعي المتعلق بهذه المرحلة، هم فقط يرغبون في معرفة ما يحاول الكبار إخفاءه.
ومن الأسئلة الأخرى: “كم يبلغ طول الحيوانات المنوية؟”، “هل نستطيع ألا نصل إلى مرحلة البلوغ؟”، أو السؤال الأكثر تكراراً وإلحاحاً في أذهانهم “كيف تكون ممارسة الجنس؟”.
وتضيف: “في كثير من الأحيان يخبرني بعض الآباء أن أبناءهم لا يهتمون بهذه الأمور”، بل لاحظت زيادة تساؤلات الأطفال المستوحاة من الممارسات غير السويّة على الإنترنت، مثل “كيف يقوم 3 أشخاص بممارسة الجنس معاً؟”، وغيرها من التفاصيل الدقيقة.
غالباً ما يُصدم الآباء لدى سماع أطفالهم يطرحون مثل هذه الأسئلة، ولكن ينبغي التعامل مع الأمر على محمل الجد.
بالإضافة إلى الأبناء، تعتقد الطبيبة النفسية سيلفيا ألابا أنه من الضروري أن يخضع الآباء أيضاً للدورات التعليمية أيضاً. فهذه هذه الدورات تفيد الآباء في معرفة الكثير من القيم الأسرية، لأنها تسلط الضوء على أفضل طريقة لبدء الحديث مع الطفل من خلال الحب والصداقة، الأمر الذي يخلق مناخاً من الثقة بينه وبين والديه. وبهذه الطريقة يشعر الأطفال أن الأمر طبيعي وليس محاطاً بالأسرار التي لا سبيل لمعرفتها سوى استراق النظر ومشاهدة المواد الجنسية.
في حالة ضبط الطفل وهو يتصفح هذه المواقع، أو اكتشاف الأمر في سجلات الهواتف وأجهزة الحاسوب، يجب مواجهة الأمر والحديث مع الطفل بصورة طبيعية.
المهم أن يدرك الأطفال أن هذه المواد تختلف كثيراً عما يحدث في الواقع، إذ إن واحدة من المشكلات الهامة في مشاهدة الأطفال لهذه الصفحات أنهم غير قادرين على استيعاب الكثير مما يشاهدونه وغير قادرين على تمييز الجوانب الخداعية والمبالغة، وفق ما ذكرت ألابا.
هناك حقيقة هامة لا ينبغي إغفالها، وهي أن 53% من الصبية و39% من الفتيات الذين اعترفوا بمشاهدة المواد الجنسية يعتقدون أن ما شاهدوه حقيقي. ووفقاً لدراسة أجرتها جامعة Middlesex البريطانية، حاول 39% من المراهقين بين عمر 11 و15 عاماً تقليد ما شاهدوه.
الأرقام لا تكذب:
39 % من الصفحات التي يشاهدها الأطفال تحتوي على مواد الجنسية.
وفقاً لدراسة جامعة Middlesex البريطانية 53% من المراهقين بين 11 إلى 16 عاماً شاهدوا محتويات جنسية صريحة على الإنترنت، 38% منهم استخدموا أجهزة الحاسوب الشخصية، و33% من خلال الهواتف المحمولة، 60% شاهدوها في المنزل.
45% من الصغار الذين يدخلون إلى شبكة الإنترنت يستخدمون أجهزة حاسوب بدون برامج لترشيح المواد الجنسية.
70 % من المراهقين ينامون أثناء استخدام هواتفهم ويتركونها مفتوحة طوال الليل.
تبلغ النسبة العالمية لاستخدام الحواسيب الشخصية من قبل الأطفال 94,9%، و95.2% منهم يستخدمون شبكة الإنترنت.
عندما تبدأ علاقة الطفل بالجنس من خلال هذا العالم البعيد عن الواقع فإن هذا يعرّضه لأذى كبير، إذ تحتوي المواد الجنسية على كثير من العدوانية والعنف وتشييء المرأة، على حد تعبير الخبيرة.
وتقول راكيل إنه في كثير من الحالات تعد المقاطع الجنسية مصدراً للمعلومات، إذ لا يزال الجنس موضوعاً محظوراً لدى الكثير من المجتمعات. وتختم “يستحي معظم البالغين من الحديث عن الجنس، إذ لم يتلقوا التربية الجنسية بالصورة الصحيحة عندما كانوا بعمر أبنائهم، ناهيك عن تشبّعهم بالعديد من الخرافات والمفاهيم المغلوطة ونقلها إلى أطفالهم”.
من ناحية أخرى قد يتعرض الطفل إلى التحرش الجنسي دون أن يعرف ماهية ما يحدث، لذلك ينصح الخبراء بالبدء في الحديث عن التحرش الجنسي في سن الثالثة، وعلى عدة مراحل.