كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
يَمضي لبنان في مسارِ «فكّ الاشتباك» وعزْل معاودة «دوران» عجلة المؤسسات عن «الدوار» الذي يحكم مقاربة الأطراف الوازنة محلياً للقضايا ذات البُعد الاستراتيجي المتّصل بتموْضع البلاد في لعبة المحاور الاقليمية وأدوار «حزب الله» فيها، بما يعكس «صمود» قرار «فصل المساريْن» حتى إشعار آخر والإبقاء على «خيط ربْط النزاع» بإزاء الملفات الخلافية السياسية بانتظار إما أن تنقشع الرؤية نهائياً وتكتمل عملية ترسيم النفوذ الجديدة في المنطقة وفق نتائج الحروب في أكثر من ساحة ولا سيما سورية، وإما أن تجد بيروت نفسها في قلب صراعٍ تلوح معالمُه وعنوانه احتواء نفوذ إيران وضرْب أذرعتها، وأقواها «حزب الله».
وفيما كانت الأنظار شاخصة أمس خارجياً على محطتيْن بارزتيْن، الأولى زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لإيران والتي بدت مرتبطة بدرجة كبيرة بتقويض «حلم» الدولة الكردية الذي أطلّ برأسه من شمال العراق قبل أن يتحوّل «كابوساً» لأنقرة وطهران، والثانية الزيارة غير المسبوقة لعاهل سعودي لموسكو والتي يُرتقب أن تكون لها تداعيات على صعيد خريطة «تَقاسُم النفوذ» في مرحلة «سورية الجديدة»، تَزداد في بيروت إشارات استمرار عملية «ترتيب البيت» اللبناني في الشقّ المتعلّق بالملفات المالية والاجتماعية كما ذات الصلة بتسيير المؤسسات وضمان انتظام عملها.
وفي هذا السياق، سُجلت مجموعة إيجابياتٍ في مقاربة عدد من العناوين الإشكالية بما يشبه تفكيك «الألغام» الجانبية في الطريق الى استحقاقات مفخَّخة بكل عناصر الاستقطاب الداخلي «المزمن» حيال الحرب السورية وانخراط «حزب الله» فيها ووضعية سلاحه وصولاً إلى قضية التطبيع مع النظام السوري من ضمن أجنْدة الحزب وإعادة النازحين وفق حساباته، وهي الاستحقاقات التي يُفترض أن تقفز إلى الواجهة مجدداً بعد سحب «فتيل» ملف سلسلة الرتب والرواتب وتمويلها وإنجاز موازنة 2017، وتحديداً حين يزور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون طهران في محطةٍ قد تحصل خلال هذا الشهر، وبحال مضى «حزب الله» في محاولة إلحاق لبنان بالمحور الإيراني رغم تَعاظُم المخاطر وتَشابُكها من حوله.
وفي حين ستشهد الأيام المقبلة زيارة بارزة وذات دلالات بأكثر من اتجاه سيقوم بها رئيس الحكومة سعد الحريري للفاتيكان للقاء البابا فرنسيس، فإن الفترة الفاصلة عن هذه المحطّة يفترض أن تكون ترجمتْ المسار السياسي – التقني الذي كان اتُفق عليه الاسبوع الماضي في مجلس الوزراء لناحية إقرار قانون الضرائب لتمويل سلسلة الرتب والرواتب الجديدة مع الأخذ بملاحظات المجلس الدستوري التي شكّلت أرضية الطعن بالقانون بصيغته السابقة، وهو ما سيتبلْور في الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري الاثنين المقبل، وسط تكريس الانطباع بأن تقدُّم الحكومة بمشروع قانون لتعليق العمل بدفْع الرواتب وفق الزيادات الجديدة بحال لم تُقرّ الضرائب المموِّلة لها هو في إطار الضغط من أطراف «التوافق السياسي» لمنْع أي «خروقات» قد تسمح بالالتفاف على هذا التفاهم عبر تقديم طعن جديد. علماً أن الجسم النقابي أعلن أمس «التأهب» متوعّداً بإضراب عام مفتوح بحال أي تلكؤ عن دفع الرواتب وفق الجداول الجديدة نهاية أكتوبر الجاري.
وإذ يفترض أن يشهد النصف الثاني من الشهر الجاري انطلاق مسار إقرار الموازنة العامة انطلاقاً من التفاهم السياسي على مَخرج لإنجازها بلا قطْع حساب (عبر إضافة مادة إلى مشروع الموازنة في هذا الإطار تحدد فترة 6 أشهر أو سنة لإتمام قطع الحسابات عن مجمل الأعوام السابقة)، فإن تسهيل هذا الملف جاء ثمرة تبريد العلاقة بين الرئيسين عون وبري، بدفْعٍ من حليفهما «حزب الله» غير الراغب بأي «تَصدُّعات» في صفوف فريق «8 آذار» من بوابة لعبة السلطة داخلياً بما يؤثّر في «وحدة الصف» بإزاء الملفات الاستراتيجية.
وإذ بدا عون «متراجِعاً» أمام بري لجهة القبول بتعليق قطع الحساب من دون تعليق المادة 87 من الدستور وأيضاً بفصل السلة الضريبية الممولة لسلسلة الرتب عن الموازنة العامة، فإن إشارة رئيس البرلمان أمس عن احتمال تَراجُعه عن اقتراح تقصير ولاية مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة قبل نهاية السنة عكَسَ بدوره اقتناعه بأنه يقترب من تحقيق مطلب آخر بالغ الأهمية بعد سقوط إمكان إنجاز البطاقة الممغنطة وحتى الهوية البيومترية، وهو إما التسجيل المسبق للراغبين بالاقتراع (ببطاقة الهوية) في أماكن سكنهم (وهو ما يرفضه فريق عون) وإما «الاقتراع في القرى، ولن يكون هناك تأجيل للانتخابات بأيّ شكل».
وفي إطار «انفراجي» داخلي آخر، جاء التوافق على التشكيلات القضائية (شملتْ نحو 433 قاضياً من أصل 521) للمرّة الأولى منذ أكثر من 9 سنوات ليُعطي إشارة إضافية إلى الرغبة في إنجاز ما أمكن من ملفات تخدم العهد وصورته كـ «مُنْجِزٍ»، علماً أن صدور مرسوم التشكيلات يفترض أن يحصل في الساعات القليلة المقبلة، بعد أن تكتمل التواقيع عليه من وزيري العدل والمال، ثم من الحريري وعون.
وفي موازاة ذلك، برز موقف متقدّم لمجلس المطارنة الموارنة بعد اجتماعه الشهري برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وقبل زيارة الأخير لعون بعد ظهر أمس، دعم فيه موقف رئيس الجمهورية المستعجل عودة النازحين السوريين إذ ناشد «السلطات السياسية الوطنية والدولية أن يبذلوا كل جهدهم في سبيل تسريع عودة النازحين السوريين الى بلادهم، فهذا حق طبيعي لهم، ويفتح أمامهم باب المساهمة في إعادة بناء وطنهم، ويخفف العبء عن لبنان واللبنانيين»، لافتاً الى «ان تطور الأوضاع الميدانية في سورية أوجد العديد من المناطق الآمنة التي يمكنها استقبال النازحين العائدين، وتوفير ظروف ملائمة لهم، بانتظار أن يعمّ السلام كامل تراب وطنهم».