كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
حتى الساعة، لا نعي ولا تشييع ولا تعليق، ولا نفي ولا حتّى تأكيد. فقد مرّت الغارة على عناصر «حزب الله» أشبه بكارثة طبيعية ناجمة عن سوء الأحوال الجوية، هذا اذا تم استثناء بيان يتيم نعى فيه القائد العسكري «عباس العاشق»، فيما المنطق يقول، أن أقل ما كان يجب فعله، الخروج ببيان توضيحي يكشف ملابسات العملية التي سقط للحزب فيها، أكثر من 16 عنصراً في ريف حمص. حتى من داخل بيئة الحزب، ثمة من كان وما زال ينتظر إمّا بياناً يُنعى فيه هؤلاء العناصر، وإما «إطلالات» خاصة تُعبّر عن حجم الخسارة القاسية وما إذا كانت ارتُكبت بنيران «صديقة» أو «عدوة».
البحث عن أسباب الخسارة القاسية التي تلقاها «حزب الله» منذ أيّام قليلة في محيط بلدة حميمة في أقصى ريف حمص الشرقي، والتي هي وباعتراف الجميع، الأولى من نوعها من ناحيتين، أوّلاً من حيث حجم الخسائر في العديد، وثانياً الصمت الذي يُخيّم حول طبيعة ما جرى سواء بما يتعلّق بـ «حزب الله»، أو بحلفائه في ظل الحديث عن سقوط العشرات منهم، إن من «الحرس الثوري الايراني» أو من جيش النظام السوري، أو من الميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية. كل هذا يدعو إلى التساؤل أيضاً، حول العدد الحقيقي الذي خسره الحزب في صفوف عناصره، خصوصاً وأن المعلومات التي يُتداول بها ضمن مناطقه، تتحدث عن أرقام مرتفعة جداً.
وعلى الرغم من كل هذه الإشكاليات التي تُعبّر عنها بيئة «حزب الله»، إلا أنها وبشكل موضوعي، لم تصل بشكل فعلي إلى إهتزاز الثقة بشكل كامل بينها وبين الحزب، لكنها بكل تأكيد، تترك آثاراً بالغة في نفوس أفرادها وتولّد لديهم انطباعات تشي بفترة ضبابية مُقبلون عليها، وقد يكون من الصعب تمكنهم خلالها، من تحديد الأرض التي يقفون عليها أو الاستمرار في تحمّل هذه الأعباء، أو على الأقل تخفيف النزف البشري الذي يُلاحقهم سواء أكانوا مُرغمين، أو برضاهم. هذا «الضباب» يُقابله الحزب بإصرار على أن الحرب في سوريا طويلة رغم «حسمه» الجزء الأكبر منها. فالحزب يعتبر أنه قطع شوطاً كبيراً في حربه ضد الجماعات «التكفيرية» وأنه لم يتبقَّ أمامه سوى مناطق صغيرة ليُعلن إنتصاره الكامل وذلك ضمن المناطق التي «ضمنها».
وبعيداً عن الأعداد والأسباب وبعيداً عن التداعيات التي يُمكن أن تُخلفها هذه الخسارة لاحقاً في جسم «حزب الله» مع اكتساب خصومه معنويات إضافية خصوصاً في ظل عودة تنظيم «داعش» إلى بلدة القريتين القريبة من مدينة «القصير» مركز قيادة الحزب في الداخل السوري، ثمة ثابتة واحدة لدى «حزب الله» هي أن الحرب لا بد أن تتخللها خسائر بشرية وعمليات كرّ وفرّ وتقدم في أماكن، وتراجع في أماكن أخرى. لكن يغيب عن بال الحزب، أن الخسائر كثرت وتعاظمت خصوصاً خلال الأشهر القليلة الماضية، وأن الغرق في المستنقع السوري مُستمر والصعوبات تتزايد وتحديداً في الشق الاجتماعي والمعيشي الذي بدأ يظهر بشكل أوضح داخل بيئة «حزب الله» إن من خلال تراجع الخدمات أو لجهة اعتماد سياسة التقليل من النفقات. والمُلاحظ أيضاً، أن الأزمات هذه، تأتي في ظل وضع صعب يمر به «حزب الله» من جرّاء الحصار المالي المفروض عليه دوليّاً والذي أتى بالتزامن مع تراجع الدعم المادي الايراني له في ظل التهديد الأميركي بالعودة عن الاتفاق النووي. والمطّلع على مجريات الأحداث عن قرب، يدرك تماماً أن الأميركيين شرعوا بسياسة جديدة لا تقتصر فقط على ضرب المؤسسات الإرهابية، بل تمتد لتطال البيئة الحاضنة والممولة له.
يُضاف إلى التهديدات الدولية لـ «حزب الله»، أصوات كثيرة بدأت ترتفع في الداخل الايراني مُطالبة بوقف الدعم المالي للحزب، وليس آخرها الضابط السابق في «الحرس الثوري» محمد مهدوي فر الذي سبق أن توجّه إلى السيد حسن نصرالله بالقول «عندما صرحت بأن ميزانية حزب الله هي من إيران، تأكد بأنك قمت برش الملح على جراحنا نحن الشعب الإيراني». وسأل: «لماذا يجب تجويع شعبنا؟ ولماذا يمرض شعبنا ولا يجد ثمن العلاج؟ ولماذا يحرم شبابنا الموهوبون من التعليم بسبب الفقر، ومن يتخرج يعاني من البطالة، والذين يعملون لا يحصلون على رواتبهم، وعندما يحتج العمال يتم جلدهم؟ ثم كل مال هؤلاء الناس الذين تحدثت عنهم يذهب لتوفير نفقات معيشتك، وربما لتنشغل يوماً ما في جهادك المقدس، هل العدل والإنصاف يحكم بهذا؟».
من المعروف أنه وعلى مدى 30 عاماً، وسّع حزب الله نطاق عملياته ورفع من مستوى تدريباته ليصبح قوة ذات امتداد وأداة لطهران التي أصبح يجمعه بها، ما يتخطى الأيدولوجيات وولاية الفقيه، حيث يعني الحزب بالنسبة إلى إيران، القادة والناشطين الناطقين بالعربية والجهة الأقدر لتحقيق المشروع الفارسي في المنطقة، فيما يعني التحالف لـ «حزب الله»، المال والأسلحة والتكنولوجيا بالإضافة إلى حماية الخلفية العقائدية والوجودية. كل هذه التحوّلات والايديولوجيات وعمليات التدريب، لم تحدّ حتّى الساعة من زيادة خسائر الحزب. البعض يقول إن القتال في سوريا لم يعد «نزهة» بعد أن تحوّلت إلى «بلد الموت»، وهذا وحده قد يُنذر بأيام قد لا تقل صعوبة عن اليومين الماضيين، اللذين خسر فيهما «حزب الله»، ما لا يقل عن 30 عنصراً ما زالوا خارج النعي.