كتب رضوان مرتضى في “الأخبار”:
نجح مجلس القضاء الأعلى في إنجاز مشروع التشكيلات القضائية رغم محاولات حثيثة لتطييرها. وعلى مدى أشهر، تمكن أعضاء المجلس من تذليل العقبات الطائفية والسياسية. نجحوا أحياناً، فيما كان “حكم الطوائف” أقوى في أحيان أخرى
أبصرت التشكيلات القضائية النور، بعد مخاضٍ عسير بدأ في شهر شباط الماضي. أنجز مجلس القضاء الأعلى المُهمّة واختار أعضاؤه أسماء أكثر من مئتي قاضٍ. لكن يد السياسة لم تكن بعيدة. وزير العدل سليم جريصاتي، مكلَّفاً من وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، مثّل “عين العهد الجديد” ويده، فيما تولى مدير مكتب الرئيس سعد الحريري، نادر الحريري، خلط “التشكيلة السنّية” لتوائم المصالح الانتخابية. وبين هذه وتلك، حصل القطبان الشيعيان على حقّ المناصفة للمرة الأولى في تاريخ العدلية.
إذ استُحدثت عشرة مراكز للطائفة الشيعية لتحقيق المناصفة، وهو الشرط الأساس الذي تمسّك به الرئيس نبيه برّي لتمرير التشكيلات، ولا سيما أنّ الهدف الأساس عند إعداد التشكيلات كان تحقيق توازن طائفي ومذهبي بنسبة مئة في المئة. وقد تحقق ذلك على مستوى بيروت وجبل لبنان، باعتبار أنّ الثقل النوعي للدعاوى، كمّاً وحجماً، موجود في هاتين المنطقتين. والمراكز المستحدثة للشيعة هي: غرفتا استئناف في بيروت، محكمة جنايات في جبل لبنان، مدعٍ عام في جبل لبنان، محامٍ عام في النيابة العامة المالية، قاضي تحقيق في بيروت، قاضٍ عدلي في المحكمة العسكرية، قاضي تحقيق في النبطية، محامٍ عام في النبطية، قاضي تحقيق في البقاع، محكمة الدرجة الأولى في الجنوب.
هذه المراكز حققت المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في بيروت وجبل لبنان، لكنها قلّصت الفارق في باقي المحافظات، باستثناء الشمال، بسبب النقص في عدد القضاة. وقد ربط أعضاء مجلس القضاء الأعلى عملية تحقيق التوازن والمناصفة في الشمال بمحافظة بعلبك الهرمل التي لم يُنشأ ملاك قضائي لها بعد.
يوم العدلية، أمس، لم يكن عادياً. بين توزيع البقلاوة والشعور بالنقمة أو الخوف، انقسم القضاة حيال التشكيلات المنجزة. بين مشيدٍ بها ومستنكرٍ لما أفرزته. القسم الأولى تحدّث عن إنجاز حققه مجلس القضاء الأعلى بالخروج بهذه التشكيلات، سواء كمّاً أو نوعاً. فقد عُيّن قضاة مشهود لهم بنظافة الكف والتفوّق. ومن هؤلاء القاضي يحيى غبّورة الذي كان طليع دورته في معهد الدروس القضائية. كذلك أُشيد بإعادة الاعتبار إلى القاضي جوني القزي، صاحب حكم الجنسية الشهير، والذي عُيّن رئيساً لمحكمة الاستئناف في بيروت، بعدما ظُلِم في التشكيلات الماضية بتعيينه في منصب مستشار في محكمة التمييز. وكان لافتاً تعيين القاضي محمد بدران رئيساً لأول محكمة جنايات في جبل لبنان يرأسها قاضٍ شيعي، وكذلك نقل القاضي رولان الشرتوني، الذي شغل محكمة الأحداث في جبل لبنان ومحكمة جزاء بعبدا ومستشار الهيئة الاتهامية في بعبدا، والذي كان ينتظر أن يُعيّن محافظاً، إلى منصب مفوض حكومة معاون في المحكمة العسكرية.
أما أولى الملاحظات التي جرى تداولها، فتحدّثت عن تشكيل قضاة كُسِرت درجتهم أو أحيلوا على التفتيش القضائي، وتعيينهم في مراكز أعلى، لاعتبارات سياسية. فعلى سبيل المثال، عُيّن قاضٍ كُسرت درجته مدعياً عاماً. كذلك سُجل امتعاض بين القضاة السنة البيارتة من تعيين أربعة قضاة سنة من صيدا وإقليم الخروب في قصر عدل بيروت. إلى ذلك، ورغم أن “مبدأ المداورة” اعتُمد لدى معظم الطوائف في معظم المراكز، إلا أنّ تيار المستقبل، ضربه في جبل لبنان. فقد أُبقي المحامي العام في جبل لبنان القاضي وليد المعلم في مركزه، علماً أن الأخير، وهو صديق مقرب من الأمين العام للتيار أحمد الحريري، موجود في مركزه منذ أكثر من عشر سنوات. كذلك لعبت “الحظوة” دوراً بارزاً في تشكيل القضاة المقرّبين من وزير العدل جريصاتي في مراكز مهمة. وتوقّف آخرون عند ما عدّوه “عقاباً كيدياً” أُنزِل بالقاضي المنفرد الجزائي في بيروت باسم تقي الدين بسبب قرار والده في المجلس الدستوري أحمد تقي الدين الذي وافق على الطعن بقانون الضرائب. وكانت لافتة إزاحة القاضي الياس عيد، صاحب قرار توقيف الضباط الأربعة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، من الهيئة الاتهامية في جبل لبنان إلى منصب استشاري في محكمة التمييز، بعدما بات من المغضوب عليهم لدى فريقي ٨ و ١٤ آذار. وتحدّث قضاة عن مقايضة بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، نال بموجبها الأول مركزاً سنياً في بعبدا مقابل مركزٍ مسيحي للمستقبل في بيروت.
أطراف سياسية وقضائية عدة رأت أنّ مناقلات القضاة ليست سوى “تشكيلات قضائية انتخابية”، مشيرة إلى أنّ الرئيس سعد الحريري وضع ثقله في الشمال، فيما ركّز الرئيس ميشال عون على بعبدا، وبقيت حصّة الأسد للرئيس نبيه بري في الجنوب.